حذّر إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح البدير، من دعاة الفتنة الذين يتربصون بأمن بلادنا وأهلنا وينشدون الفُرقة والفوضى والدمار بأفعالهم الإجرامية الآثمة.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد النبوي: إن المملكة العربية السعودية وطن سمَت بالدين مراقيه، وثبتت بالشرع سواريه، وخسئ بحزم قائده مَن يعاديه، وفشلت بصولته مرامي مَن يناويه، ومن بغى على دولة الحرمين الشريفين المعاثر والمكائد، كبّه الله لمنخريه وعاد وبال كيده عليه.
وشدد، أن الجماعة مَنَعة، والفُرقة مضيعة، وأن الجماعة لب الصواب، والفُرقة أس الخراب، وبادرة العثار، وباعثة النفار، وتُحِيل العمار خراباً والأمن سراباً، وهي العاقرة الحالقة.
وحض على وحدة الصف والحذر من التفرق؛ مبيناً أن الأمة خرجت عليها عصبة غاوية، وحفنة شاذة، وسلالة ضالة، لا هدف لها سوى اقتداح شرارة الفوضى، وشق العصا؛ فأظهروا مكنون الشقاق، وأشهروا سيوف الفتنة، وجاهدوا بالمحادة والمضادة، بعقيدة مدخولة، وأفهام كليلة، وأبصار عليلة، توّهت بهم الآراء المغوية في مهامه مضلة، وسبل مختلفة؛ فكفروا، وروعوا، وأرعبوا، وقتلوا، وفجّروا، وخانوا، وغدروا.
وأضاف: "إنهم لا عن المعاهدين كفوا، ولا عن المسلمين عفوا، رموا أنفسهم في أتون الانتحار بدعوى الاستشهاد ودركات الخروج بدعوى الجهاد، همج رعاع يتبعون كل ناعق، ويسيرون خلف كل ناهق، يقابلون الحجج باللجج، والقواعد بالأغاليط، والمحمات بشبه ساقطة لا تزيدهم إلا شكاً وحيرة واضطراباً، قوم باغون، مَن جادل عنهم فقد جادل عن الباطل، ومن أعانهم فقد أعان على هدم الإسلام، فراش نار وحدثاء أغرار، وسفهاء أشرار، خالفوا ما درج عليه السلف وانتهجه بعدهم، صالحوا الخلف وفارقوا ما نقلته الكافة عن الكافة والضافة عن الضافة والجماعة عن الجماعة؛ بدليل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مَن خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات، مات ميتة جاهلية).
وأسهب "البدير" في بيان حقيقة مَن خرجوا على جماعة المسلمين وكلمتهم؛ مبيناً أنها جماعة ضالة يحمل أفرادها قلوب حاقدة وصدور حاسدة، كان من آخر شنائهم الفعلة النكراء جريمة تفجير في الأحساء، التي نفّذتها يد الغدر والخيانة، نبتة سوء سوف تُجتث وتُقلع، وعروق باطل لا تمهل أن تقطع، وأن المتالف راصدة والعزائم لهم حاصدة.
وأبان أن الفتاء والصغر وحداثة السن قرينة الطهارة والغرارة والشاب الحدث قليل الفطنة والحنكة والتجربة، ومتى صاحَبَ الحدث مَن لا يوثق بمودته وعقيدته وأمانته وديانته، ختله الخبيث من حيث لا يعلم، وأطعمه من حيث لا يدري، وسقاه السم من حيث لا يحتسب، وجنّده ضد دينه ووطنه وأهله وعشيرته وهو لا يشعر، ومن ترك ولده يقطع وادي السباع ويلهو بين الوحوش الجياع ويسير في الظلم ويعبر المفاوز في السحم؛ فقد باعه وأضاعه وجعله نهباً لشرار الخلق، وهدفاً لمآربهم الخبيثة.
وأضاف، أن من ترك أولاده يضربون في غمرة اللهو والإثم، ويتسكعون في مراتع الفتن، ويقتحمون غمار الناس، وينغمسون في زحمة الخلق وكثرتهم يصاحبون من شاؤوا دون رقابة، ويبيتون خارج البيوت دون تحفّظ ويمكثون بعيداً دون مساءلة؛ فقد عقّهم وظلمهم، والشادخة المحجلة حين يُصحبون ضحايا لشقاشق الشياطين وخطب المرجفين وكتب الغلاة المبطلين وفتاوى الخوارج الحاقدين، وأدوات التنظيمات السرية والجماعات التكفيرية الإرهابية والتيارات الحزبية، التي تزرع الأحقاد في قلوب شبابنا ضد ولاتنا وعلمائنا وبلادنا.
وحذر الدكتور "البدير" الآباء والأولياء من التساهل والتشاغل والتراخي والتغافل في هذا الجانب، وأن يغرسوا في نفوس أولادهم المحبة لدينهم وبلادهم والولاء لولاة أمرهم ورجال أمنهم وعلمائهم وأئمتهم؛ موضحاً أن ذلك لن يتحقق إلا بفيض من الحنو والحب والعطاء والإحسان والمصاحبة والمعايشة بالحسنى والتعليم والتحصين.
وقال: "الخوارج عصاة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم خالفوا الكتاب والسنة وهم قرنا شيطان القعدة والخدم الحفدة؛ فقعدة الخوارج يزبنون للأغرار الثورات، ويأمرونهم بالخروج على الولاة، ويبيحون لهم العمليات الانتحارية، ويخدعونهم بالغفران ودخول الجنان، ويُحَسّنون لهم بفتاوى خبيثة حمل الأحزمة الناسفة وقيادة السيارات المفخخة وتفجير النفس في المساجد ودور العبادة والأسواق والتجمعات، والخدم الحفدة حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ينفّذون تلك المخططات الشيطانية، يشعلون النيران بكسار العيدان".
ودعا الشباب إلى التنبه والحذر من دعاة الفتنة بقوله: أيها الشاب الطرير، لا يخدعنك القول المزين بترقيش الكذب وزخرفة الباطل؛ فلو كان مَن دعاك مجاهداً وناصحاً لشارع إلى تفجير نفسه قبل أن يدعوك لتفكير نفسك؛ ولكن أغواك وأهواك فاختار لنفسه المتعة والمال والحياة والبقاء، واختار لك الموت والهلاك والفناء؛ فاصحُ من غفلتك، وارجع عن ضلالتك، وعُد إلى رشدك، ولا تكن وبالاً على نفسك وأهلك، يا من تَمَسّك بالشراد، وأخذ بالعناد، ولجّج في البغي والفساد، يا من قُلتَ ما يستفظع في السمع وتفوهت بما يستبشع في الطبع، يا من خلعت الطاعة وشققت عصا الجماعة، يا من أخّرت وأنظرت وأجّلت وأمهلت؛ فما زادك الإنظار إلا اعوجاجاً، ولا التنفيس إلا ارتداداً؛ اقصر وأبصر وراجع الحق قبل أن تؤخذ وخَدُّك عافر، وتوقف للقضاء العلد وأنت صاغر؛ فتب وبادر قبل أن ينزل بك ما تُحاذر، وإن لم تتب مختاراً فانتظر البتارا.
وأشار إمام وخطيب المسجد النبوي إلى ما يعانيه المسلمون المحاصرون في بلدة مضايا بسوريا من محنة ومجاعة، وعد حصارها من قِبَل أعداء الملة بتواطؤ من القوى العالمية دليل على شريعة الغاب التي تحكم العالم اليوم، شعب يُذَلّ بسلاح التجويع والترويع ونساء وشيوخ وأطفال وصغار يلفهم الخوف والجوع والمرض والبرد بلا دواء ولا غذاء ولا وطاء ولا غطاء، عدموا الدفاء في صر الشتاء.
وأضاف: "القوى العالمية بصمتها وسكوتها وسكونها وتخاذلها، تشاهد تلك الصور المفجعة المروعة تُعَدّ شريكة في هذه الجريمة الإرهابية والبلدات التي تهدم مساجدها ومدارسها ويقتل خيارها وكبارها وتحاصر ليكون أهلها؛ ستظل دليلاً قاطعاً على الاستهداف المشترك، وعلى سياسة التقسيم والتهجير من أجل التغيير".