لم تسلم رؤية السعودية 2030 منذ إطلاقها قبل فترة قصيرة من العديد من الآراء – وهو أمر طبيعي - التي رهنت نجاحاتها بالعديد من المتطلبات الحيوية مؤكدة أنها تبقى كرؤية ينتظر أن تتخذ الخطوات الإجرائية الضرورية لتجسيدها واقعاً يدعم تلك الرؤية من وجهة نظر محورها التنموي وهو الوطن والإنسان.
الرؤية السعودية يبدو أنها ستواصل القفز فوق الأسئلة برشاقة دون أن تُغفل الإجابات القوية عليها. فالبارحة تم الكشف عن برنامج التحول الوطني 2020 بعدما أقره مجلس الوزراء ليسجل سابقة ربما هي الأولى حيث طرح البرنامج الوطني ليكون في متناول كل مواطن الإطلاع عليه وسبر أغواره من خلال رابط صغير يصله بكل التفاصيل رغم كبر البرنامج والذي ربما لن سيصدق لو أعلن أنه سيطرح بهذه البساطة والشفافية، لكن الأمر حقيقي بالفعل وليس مجرد قراءات وتوقعات.
جانب الشفافية تجلى أكثر في التفاصيل الدقيقة، مفاصل الدولة وخطوات إعادة الهيكلة وصياغة مستقبل المواطن بين يديه حيث يمكنه قراءة عمق الاستراتيجيات والمنهجية وخارطة العمل التي ستكون محور الاقتصاد التنموي للمملكة. لسنا هنا لنتحدث عن شيء قادم بقدر ما هو ملفت الآلية التي نفذ بها تجسيدا فعليا للالتزام الذي تم التعهد به حين إطلاق الرؤية أن يكون المواطن في قلب الصورة ولا شيء لاخفاءه.
ما من شيء كان سُيرى الجميع أن الرؤية ستكون الأفضل والأمل أكثر من المطالبة بالجدية في الانطلاقة. الفاصل الزمني بين إطلاقها والبدء بالتحول الوطني هو تأكيد جديد يوحي بأنه لا توقف وأن الخطوات القادمة ستكون تأكيدات متتالية على المضي قدما نحو المستقبل. قرابة 30 يوما تبدو رقما مستحيلا في الانطلاق في تنفيذ رؤية بهذا الحجم التاريخي وبخطوات بهذا الوسع.
الاستشراف، والواقعية، والجدية، والشفافية، الاستفادة من كل المتاح بأقل تكلفة ممكنة: هي خطوط متوازية أدركت الرؤية أنها لن تنجح دون أن يشاركها المواطن الهم حول ذلك والقيادة نحو المستقبل في زمن جعل الإعلام الجميع في الحدث فلا أفضل من جعله شريكا في منجز هو هدفه.
خطوات وأطر في غاية الأهمية لم تتوقف لحظة. مثل إقرار مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إطار حوكمة فعّال ومتكامل بهدف ترجمة هذه الرؤية إلى برامج تنفيذية متعددّة، يحققّ كل منها جزءًا من الأهداف الاستراتيجية والتوجهات العامّة للرؤية. ومنها برنامج التحول الوطني هذا، ومكتب الإدارة الاستراتيجية والمركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة ومركز الإنجاز والتدخل وغيرها وكلها ثمار مبشرة بحراك تنفيذي يحقق التوجهات والسياسات العامّة للمملكة، "والأهداف والالتزامات الخاصّة بها، لتكون نموذجا رائدًا على كافّة المستويات".
برنامج التحول الوطني الذي سينفذ على مستوى 24 جهة حكومية قائمة على القطاعات الاقتصادية والتنموية في العام الأول للبرنامج، تعضده أهداف استراتيجية مرتبطة بمستهدفات مرحليّة إلى العام 2020 م، ومرحلة أولى من المبادرات سيبدأ إطلاقها ابتداء من عام 2016 م لتحقيق تلك الأهداف والمستهدفات، على أن يلحقها مراحل تشمل جهات أخرى بشكل سنوي.
إن قراءة متعمقة يمكن لأي مواطن عادي أن يتلمس ملامحها من خلال رابط شفاف سيوصله لجوانب محل تساؤلات عديدة مثل آليات عمل برنامج التحول الوطني وهويته ومبادئه العامة والجهات المشاركة فيه وحوكمته وحتى وصولا يمكن للمواطن قراءة المهم حول تكاليفه وعوائده. وأخيرا يمكن ببساطة الاطلاع على كافة المبادرات المقدمة.
ليس من الحكمة استباق النتائج غير أن الانصاف يقتضي القول أن هذه الشفافية المطلقة في وضع المواطن – حتى لو كان هو الهدف بالتنمية والمستفيد – هو أمر من شأنه أن يستحق المبادرة بالدعم والتنوير ووضع الأخرين في الزاوية الإيجابية المناسبة.