كشفت مكية مسنة سر "المظاريف البيضاء" التي ظلت تدفعها نهاية كل ٦ أشهر، بواسطة أطفالها طوال 28 عاماً لينقلوها من شققهم الـ12 في عمارتين عائدتين لأحد فاعلي الخير، صوب مكتب مخصص لذلك الرجل.
وبينت المواطنة (م .ع) التي فضلت عدم ذكر اسمها؛ أن المظاريف كانت تملأ بورق أبيض من قبل سكان البنايتين ليشعر أطفالهم بأنها تحمل إيجار تلك الشقق لتسلم للمالك، وأن ذلك كان اتفاقاً بين فاعل الخير والأرامل حتى لا يشعر الأطفال بالحرج، وأنهم يسكنون دون مقابل.
وأضافت أن فاعل الخير فضل عدم ذكر اسمه وأنه يريد هذا العمل الخيري خالصاً لوجه الله تعالى، وقصد من هذا العمل بإخفاء المظاريف عدم إحراج أبناء الأرامل، وقد تزوج العديد منهم الآن وأصبحت لهم عائلة دون أن يعرفوا سرها، وقال: إنه اجتهد أن يدفن هذا السر إلى الأبد فهو بين العبد وربه.
وروى أحد أقرباء فاعل الخير، قصة العمارتين التي أوقفهما لله، وأشار إلى أن هذا الرجل منً الله بالرزق بعد كد وجهد، وكله من عرق جبينه حتى كوّن ثروة، وكان محباً للعمل التطوعي، فكان يمد يده بسخاء للجمعيات الخيرية، ويتصدق من حر ماله، فكان سباقاً بالتبرع، مقتدياً بحديث نبينا اللهم صلِّ وسلم عليه: "رجل تصدق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
وتابع: وقام بعمل وقف خيري بتخصيص عمارتين في أحد أحياء مكة، ولكل عمارة ست شقق، خصصها للأرامل والمطلقات والمعوزين من ذوي الدخل المحدود والمعسرين، وذلك بفضل علاقته بمدراء الجمعيات الذين يبلغونه بكل شفافية عن هؤلاء المحتاجين؛ ليتواصل معهم ويعرض لهم السكن المجاني حتى تتحسن ظروفهم ويرغبوا بالخروج من السكن، وذلك بعد أن عجزوا عن دفع الإيجارات بسبب قلة الحيلة.
القصة بدأت في الظهور عندما بدأت المسنة تتحدث في حضور أبنائها وأحفادها عن رجل البر والإحسان؛ كونها قصة مليئة بالعبر التي ارتقت بالإنسانية والقدوة الحسنة في طريقة رجل الأعمال بالتعامل مع الأيتام في مرعاة شعورهم وعدم إحساسهم بالنقص.
وقال أحد أبنائها لـ"سبق": إن والدته كانت تتحدث والدموع تجري من عينيها عن شهامة هذا الرجل، وأشارت إلي وقالت: "أتذكر يا ولدي يوم كنت في عمر 13 عاماً، كل ستة أشهر أعطيك ظرفاً مغلقاً، وأقول لك" اذهب به، وأنبه عليك بعدم فتح الظرف لتسلمه للعامل المسؤول عن دفع الإيجارات، وكان مكتبه تحت المبنى، ويجب عليك أن تحضر إيصال دفع الإيجار".
وأضاف: وقد أخبرتني وبعد 28 عاماً أبلغكم بأن الظرف كان فارغاً لا يوجد به إلا قصاصات ورقية؛ حتى لا تلاحظ أن الظرف فارغ، وكان هذا الاتفاق بيني وبين رجل الأعمال؛ حتى لا ينتابكم الشعور بالنقص، وتوقعت أني الوحيدة، ولكن بعد الجلوس مع جاراتي الأرامل وجدت أن هذه الطريقة معهن أيضاً، ولا أعلم أنه يستخدمها مع الرجال المعوزين.
واختتمت بقولها: ما كنت أن أروي لكم هذه القصة إلا لقصد الحث على فعل الخير ومساعدة المحتاجين وإخفائه؛ حتى يحقق من ذلك الحفاظ على مشاعر المحتاجين، وهاأنتم الآن رزقكم الله بوظائف وتحسنت ظروفكم وسكنّا في بيوت ملك ولله الحمد، وأسأل الله أن يبارك له في ماله ويكتب أجره ويصلح له المال والذرية.