كان قدرنا أن نكون مملكة موحدة، تتوسط العالم، ومصدر طمأنينة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، وقوة اقتصادية لا يمكن مجاراتها، وعمقاً سياسياً متزناً ومتجدداً حسب طبيعة كل مرحلة.
هذا القدر الإلهي احتاج في سبعينيات القرن الماضي لتكوين صوت إعلامي سعودي، فكَّر فيه استثمارياً الأخوان هشام ومحمد علي حافظ؛ لتكون صوتاً صحفياً محترفاً، يغزو عواصم صناعة القرار العالمية. بدأت الفكرة بصحيفة عرب نيوز الإنجليزية، ثم لحقتها صحيفة الشرق الأوسط بمباركة الملك فيصل - رحمه الله -.
تأسيس الأخوين "أبرز مؤسسي الصحافة العربية مع مصطفى وعلي أمين في مصر" لم يلحقه أي جهد إعلامي سعودي لتعريف الإعلام الدولي بالسعودية سوى دعوات يقدمها مهرجان الجنادرية بقائمة لم تتغير منذ سنوات طويلة، ومحاولة لم يكتب لها نجاح كبير لصحيفة الحياة، انتشرت دولياً، ثم تحوّلت للقارئ السعودي، ولم تحصد مركزاً متقدماً.
في مطلع التسعينيات الميلادية، ومع زخم حرب الخليج، خرجت MBC بوصفها أول قناة عربية سعودية، تفردت بتغطية مميزة للحرب، واستمرت نشراتها الإخبارية مصدراً مهماً ومثيراً لكل باحث عن صناعة الخبر العربي باحترافية غربية.
احتجنا بعدها لعقد كامل حتى تخرج قناة العربية بعد سيطرة استمرت سنوات لقناة الجزيرة، جعلت المجالس الثقافية تتحدث عن عدم إنشاء قناة إخبارية سعودية؛ ليكون ذلك محوراً في مسامرة ثقافية، شهدها نادي أبها الأدبي مع الكاتب الساخر جعفر عباس، أشار فيها إلى أن "لا سبيل لمواجهة قناة الجزيرة إلا منافستها بقناة أخرى"، وهو ما كان بعدها بسنوات قليلة عبر قناة العربية التي أصبحت تنافس وتجابه قناة الجزيرة، وتتبنى وجهة نظر خاصة مؤثرة وفاعلة. تجربة العربية الناجحة سبقتها تجارب إعلامية نوعية كشبكتَيْ ART وأوربت المتنوعتَيْن؛ لتنتهي الأولى ببيع جزئي لبعض قنواتها كل فترة، وبقيت الثانية ضمن شبكة شوتايم تراهن عربياً ببرنامج القاهرة اليوم. السعوديون لم يكونوا خارج الفضاء ولو جزئياً؛ وبادر بعضهم للمشاركة في قنوات المحور ودريم المصرية، وانتهت كل المشاركات بمرض القناتين وخروج المساهمين.
منذ مارس 2003م، الذي شهد إطلاق قناة العربية، لم يتحرك الإعلام الخارجي السعودي بحيوية وقدرة على مخاطبة الجمهور المتنوع العالمي، وتغيير الصورة الذهنية بعد تفجيرات 11 سبتمبر، التي حصرت السعودية في كونها أرضاً بدوية، يمتلك أهلها مالاً وفيراً يدعم الإرهاب!
المثلث الريادي السعودي الأقوى في قيادتها الإسلامية، وقوتها الاقتصادية العالمية، وتحرك قادتها السياسي النشيط، لم يقابله تفاعل وترويج في عمق الدعاية والإعلام الدوليين. وأستثني هنا التعبئة الإعلامية لعاصفة الحزم، التي حققت أهدافها في وقت قياسي.
نجحت الجهود الدبلوماسية في فترات سابقة في تعديل الرأي العام حول قضايا داخلية في دول معينة، وبخاصة في مصر، بذل فيها السفير أحمد قطان وحيداً جهداً بعد تنحي الرئيس السابق في توضيح توجُّه السعودية السياسي المنحاز لاختيار الشعب رئيسه، وما عقب ذلك من قضية تهريب المخدرات لمواطن مصري، جعلت السفير قطان يقضي أياماً متحدثاً وموصلاً توجُّهات الحكومة السعودية، ونجح في تعديل الكفة لصالح السعودية دون جهد يذكر من وزارة الإعلام.
اليوم أصبحنا أمام مرحلة حاسمة، تحتاج لفرط حركة إعلامية خارجية لا تتوانى؛ لتكون عكس رأي أمير الدبلوماسية العربية الراحل الأمير سعود الفيصل الذي نقله الكاتب عبدالله الشمري؛ إذ يصف الفيصل دور الإعلام الخارجي السعودي بأنه "ضعيف إن لم يكن غائباً".
التوجُّه الجديد للإعلام الخارجي السعودي يبدأ من تكوين صورة ذهنية، تجمع بين المكانة الدينية، والقدرات الاقتصادية، والقوة السياسية، بصياغة دعائية، يتولى مهمتها صناع المحتوى الإعلامي والإعلاني في السعودية، مستعينين بعمالقة العلاقات العامة في العالم؛ لتوجيه الرأي العام الدولي نحو الحقيقة الوحيدة: أن المملكة العربية السعودية دولة إسلام، وسلام، ومحبة، ومحاربة للإرهاب أياً كان دينه ومذهبة، بقوتها السياسية، وقدراتها الاقتصادية، وإمكانيتها العسكرية.
في الجانب الآخر، يقوم على الإعلام الخارجي دور في إنعاش أدوات التأثير الثقافي في كل دولة، بإنشاء مراكز ثقافية سعودية، تجمع المثقفين في كل دولة، وتدعمهم، وتتولى نشر إنتاجهم، وتعرض لهم ولمواطنيهم فنون وتراث السعودية وأعمالها الفنية المتنوعة من تشكيل ومسرح وشعر وقصة، بشراكة مع وزارة الثقافة والإعلام والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
أمام كل هذه الآمال يمثل علماء الدين واجهة لها حضورها وتأثيرها على المسلمين كافة. وشهدت زيارات بعضهم لدول شرق أوسطية وآسيوية زخماً جماهيرياً، لم يستغل في توجيه رسائل سعودية خالصة سوى الزي الوطني، وغفل الدعاة عن جعل السعودية أنموذجاً سياسياً وتنموياً فاعلاً، بدعمها المباشر وغير المباشر عبر المنظمات والهيئات الدولية.. لكن يحسب للدعاة جهودهم في التحدث عن خدمة السعودية وقادتها للحرمين الشريفين منذ عهد المؤسس - طيب الله ثراه -، الذي عزز مكانتها بتشريف الله لها بخدمة الحرمين وزوارهما، وقيادتها العالم الإسلامي.
أطمح إلى أن يكون في كل دولة جامع سعودي، ومركز ثقافي، ومعهد للدراسات الإسلامية، تخدمها جميعاً قنوات وصحف ومواقع إعلامية بكل اللغات؛ تعزز رسالتنا السامية في نشر الإسلام المعتدل والثقافة النقية، عبر إعلام هادف موجَّه لمصلحة البشرية.