مجتمعنا.. بين "كورونا" والالتصاق بالجدران!!

مجتمعنا.. بين "كورونا" والالتصاق بالجدران!!
تم النشر في
أيُعقل أن يكون مجتمعنا بهذه الهشاشة في مواجهة الشائعات، وتصديقها والتفاعل معها بشكل مخيف دون تمحيص وروية؟!!
 
قبل بضعة أسابيع انتشر مقطع مرئي على اليوتيوب، يستعرض صاحبه طريقة جديدة لقياس ضغط الدم من خلال إلصاق اليد على الجدار!! ولعلكم رأيتم كيف انتشر المقطع انتشار النار في الهشيم؛ فأصبحنا نتلمس الجدران يمنة ويسرة!! وبدأ العديد في أخذ ذلك كأحد المسلَّمات العلمية في قياس ضغط الدم!! والمؤلم في ذلك أن البعض بدأ يبني حساباته عليها في أخذه للدواء!! ولا تسأل بعد ذلك عن النصائح التي يقدمها البعض في استخدام تلك الطريقة والتوصية بها!!
 
الغريب في الأمر أننا لو فكرنا بروية، واستخدمنا الحدس الفطري، لوجدنا أن من يتحدث في هذا المقطع غير معروف لمعظم شرائح المجتمع، ولا يملك أي علاقة بالطب، فكيف استطاع أن يؤثر في شريحة واسعة من المجتمع؟!! فهل فعلاً مجتمعنا قابل بكل سهولة لتقبُّل مثل هذه الأخبار التي لا تستند لعلم!!
 
دعوني آخذكم لشق آخر حول فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وهنا لن أتحدث عن كمية الوصفات العشبية المكتشفة لعلاج هذا المرض التي انتشرت في وسائط الإعلام الاجتماعي بشكل مهول، ويتداولها الكثير كمسلَّمات!! وتتضح لك الصورة أكثر عندما تُذيل بعض الرسائل باسم المعالِج وجواله؛ لتعرف الرسالة المخفية من ذلك.. ترويج ذكي لأولئك المعالجين في الظلام، واستغلال ماكر لحاجات الناس.
 
وتكمن المصيبة أيضاً عندما تأتي الدعاية لخلطات عشبية مجهولة المكونات، وغير مصرحة، وتحمل ادعاءات بأنها تعالِج الكثير من الأمراض!!.. سبحان الله.. هل وقف كل هذا العلم على شخص واحد بعينه؟!!
 
دعوني أعود لفيروس كورونا، وما نشاهده من شائعات متعددة ومتشعبة، ولا يكاد يخلو يوم من ظهور شائعة جديدة حيال ذلك. ومرة أخرى تحزن كثيراً عندما تجد أن الكثير من شرائح المجتمع يؤمن بها، وينشرها دون تمحيص وإعمال بسيط للعقل والفطرة!!
 
 إحدى الشائعات أشارت لانتشاره بشكل كبير في إحدى المدن وفي المدارس، وتطالب الجميع بعدم الذهاب لها ولا للأسواق والتجمعات، وكأننا أمام حرب كيميائية!!
 
وما يحزنني كثيراً الشائعات التي تُكذِّب تصريحات وزارة الصحة جملة وتفصيلاً، والأنكى من ذلك ترويج لما يضاد ذلك، وتضخيم وتهويل وإفزاع للمجتمع بدون وجه حق.
 
أتفهم كثيراً موقف البعض تجاه الوزارة، وما تعانيه من قصور مزمن، منذ عقود، ليس وليد الساعة.. لكن عندما يصل الأمر إلى تكذيب مفرط فهنا لا بد أن نقف ملياً ونتريث.
 
لا بد أن نعلم أن ما يصدر من معلومات عن هذا المرض يخرج من لجان علمية، يشارك فيها نخبة من الكفاءات الوطنية، ومن قطاعات حكومية متعددة، فمن غير المعقول أن نكذِّب أولئك جميعاً، بجميع خلفياتهم العلمية، ومراجعهم الحكومية!! نعم، قد يعتري عملها القصور والخلل، وخصوصاً أننا نتعامل مع مرض غامض، لا يُعرف الكثير عن خصائصه، ولكن في المجمل عملهم مبني على أسس علمية، وبالاستعانة بخبراء دوليين، وبمنظمة الصحة العالمية.
 
وأعتقد أن الجميع استمع لرأي منظمة الصحة العالمية سابقاً في الإجراءات التي تتخذها السعودية لمواجهة المرض، وثنائها على جهودها في ذلك، وهو مؤشر جيد في حد ذاته لتقييم عمل الوزارة.
 
في فترة من الفترات كنت قريباً من المنظمة، وشرفت بالعمل فيها مستشاراً غير متفرغ، وأعلم يقيناً أنها لن تتردد عن الإفصاح عن أية معلومات تهم العالم حول المرض في السعودية أو في غيرها، متى ما ثبت لديها ذلك بشكل جلي.
 
كل ما نحتاج إليه لمواجهة هذا المرض هو الاستعانة بالله، ثم التقيد بطرق الوقاية المحتملة منه وفق إرشادات الوزارة، ولا ننس أيضاً إعطاء مزيد من الثقة بالوزارة، ومؤازرة جهودها، وعدم الالتفات للشائعات.
 
وفي الشق الآخر، فإن أفراد المجتمع مطالبون بإبراز القصور في عمل الوزارة ورفع صوتهم بذلك، ولكن وفق منظور منطقي بعيد كل البعد عن التجريح غير المبرر، أو بث معلومات لا تستند إلى واقع، ومن ثم تخويف الناس وإرباكهم وإثارة الهلع غير المبرر.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org