الابتعاث.. و"عبثية" النتائج

الابتعاث.. و"عبثية" النتائج
من أبسط أبجديات التخطيط أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون. ومن أبسط أبجديات الابتعاث أن تكون منافعه ونتائجه ملموسة، وواضحة للعيان، ويكون أثره بيِّناً؛ ينعكس على تطوُّر البلاد وتقدمها.
 
والأهم من ذلك أن ينعكس أثره على فكر المبتعث قبل غيره؛ فيعود لنا بكل ما هو نافع ومفيد؛ ليطبقه عملياً على أرض الواقع حين يتسنم أمر دائرة أو مؤسسة أو وزارة؛ وبذلك نكون قد قطفنا ثماره يانعة زكية.
 
أما أن يعود المبتعث بالفكر ذاته الذي ذهب به دون أي تطور أو تقدم في عقليته فجلوسه هنا، وتوفير المبالغ التي صُرفت عليه، أفضل بمليون مرة من ابتعاثه.
 
والتطوُّر الفكري الذي نتحدث عنه هو التطوُّر في فكره الدنيوي: في طريقة تفكيره.. في الاستفادة من الدراسة التي درسها.. في تطبيق النظريات العلمية التي درسها عملياً على أرض الواقع.. في تقديره للوقت والمحافظة على العمل.. في الإنجاز.. في منافسة الآخرين.. في الاختراعات.. في الابتكارات.. في منافسة الأمم الأخرى في تطوُّرها ورقيها وحضارتها، ومحاولة التقدم عليها.. في إدخال علوم العصر لخدمة مجال عمله.. في.. في.. في..
وليس كما يحدث لبعض مبتعثينا الذين يظنون أن التطور والتقدم والرقي والحضارة.. في"الانسلاخ" من ثوابته الدينية.. من عقيدته الصحيحة التي نشأ عليها.
 
ما نريده من الابتعاث ومن المبتعثين أن يحافظوا على عقيدتهم الصافية النقية التي ذهبوا بها، ويحافظوا على ثوابتهم الدينية، وعلى الصحيح من عاداتهم وتقاليدهم، وأن يكتسبوا التطوُّر الفكري الصحيح، وأن يطبقوا ما تعلموه من فكر وعلم في ميادين عملهم؛ ليساهموا في تطوير مجال عملهم؛ لنصل إلى مصاف الأمم التي سبقتنا في التقدم والرقي والحضارة.
 
فهم ابتُعثوا للاطلاع على برامج الآخرين وتجاربهم المختلفة والمتميزة؛ لينقلوها لنا ويطبِّقوها عملياً على أرض الواقع.
 
ولكن المفارقة أنهم بعد عودتهم "يتسممون"، فيقعون في وحل الممارسات والأنظمة الرديئة القائمة "بالوضع القائم"، ويعودون للدوران في فلكه، فلا أرضاً قطعوا، ولا ظهراً أبقوا..!!!
 
فينسون كل ما تعلموه بمجرد استلامهم الوظيفة.. ويعودون للروتين القاتل ذاته الذي كانت تسير عليه هذه الميادين في عهد سابقيهم.. ويصبح الأمر.."كأنك يابو زيد ما غزيت".
 
وبالمثال يتضح المقال. فعلى سبيل المثال، برامج الدراسات العليا وخططها في الجامعات في أمريكا، التي تضم اليوم تقريباً ضعف عدد المبتعثين في بقية الدول. خطتك كطالب دكتوراه، بل حتى الماجستير، أنت من يبنيها، أي أنك تحدد المقررات التي تدرسها بما يتوافق مع توجهاتك وخططك البحثية، بالتعاون مع المشرف، وليس هناك خطة دراسية "مسبقة الصنع" يجب على الجميع دراستها بغض النظر عن اختلافاتهم!!
 
ومعظم أصحاب القرار في التعليم العالي السعودي هم من خططوا لدراستهم، هم من اختاروا ما يدرسون وما لا يدرسون.. فلِمَ يحرمون الآخرين من ممارسة حقهم في ذلك..؟!!
 
أليس من الأولى بهم أن يطبقوا ذلك عملياً في وزارتهم، وأن يعمموا العلم الذي استفادوا منه.. فلِمَ يحرمون غيرهم من فرص استفادوا منها..؟!! ومن النِّعَم التي تنعموا بها في مبتعثهم.
في التعليم العالي العديد من السياسات التي تحتاج إلى تطوير عاجل.. هذا مثال للتسمم في التعليم العالي. وفي غيره التسمم يصل حد الفتك بالعديد من المكتسبات..!!
 
فمتى نستفيد مما تعلمنا..؟!! ونواكب.. ما ندندن به دائماً في تصريحاتنا.. وفي إعلامنا..؟!!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org