المنهج السلماني

المنهج السلماني

أتذكر ذات يوم قبل نيف وعشرين عاماً، حينما كنت من مسؤولي التعليم، أتذكر أنني كنت الساعة الثامنة صباحاً في مكتب الملك سلمان بإمارة الرياض، وحين وصلت لمكتبه آنذاك، وجدت الملك سلمان -رعاه الله- قد وصل، ورأيت واحداً من موظفي السكرتارية يقابلني وقد خرج بالملف الأول، بعد أن أنجزه رجل الحزم والجد، الساعة الثامنة، وقد أنجز الملف الأول. ودخلت مكتبه وسلمت، وأشار -حفظه الله- بأن أجلس أمامه؛ حيث توجد ثلاثة مقاعد لموظفي السكرتارية المستمعين لتوجيهاته والمتلقين للأوراق الموقّعة منه، وجلست أرقب المشهد؛ فرأيته يتنقل بين مهاتفة مدير عام الحقوق، يسائله عن معاملة عرضوا فيها رأياً هو يرى خلافه، ثم يطلب مدير الشرطة يستفسر منه عن تقرير سَبَقَ أن طلبه منه، وكدت أن أعرض أوراقي وأتحدث حول موضوعي؛ ولكنه أشار أن انتظر ليفرغ مما بين يديه.
 
وفجأة انفتح باب المكتب ودخل موظف من صغار موظفي الإمارة، كان الملك سلمان قد طلب حضوره، وبعد أن سلم الموظف دار الحوار التالي:
 
الملك سلمان: أَوَقرارُنا حول ذلك الأمر يُخالف نظاماً سابقاً معتمداً؟
الموظف: نعم، وهذا النظام السابق تنص المادة الخامسة على خلاف ما صدر.
الملك سلمان: يفتش الأوراق ويظل هُنيهة يقرأ، ثم يشكر الموظف، وفوراً يأمر بإلغاء ما سبق أن اعتمده، ويأمر بصرف مكافأة لذاك الموظف، ويخرج الموظف مزهواً، ويعلق الملك سلمان أن الشجاعة ليست في الإصرار على الخطأ؛ وإنما هي في التراجع واتخاذ القرار الصحيح، وتعلمت في تلك الجلسة دروساً في الحزم والمتابعة، وكيف يتواصل المسؤول الكبير مع الموظفين كبارهم وصغارهم.
 
إن الملك سلمان لم يقصر نفسه على القريبين منه (الوكيل، ومدير مكتبه)؛ بل تعداهم لمديري العموم ومديري الإدارات، ثم عرضتُ له ما لديّ، وبعد أن قرأ، تَبَسّم وقال: أَوَتعرف مقولة الملك عبد العزيز رحمه الله "الحزم أبو العزم أبو الظفرات، والترك أبو الفرك أبو الحسرات".. إن الحزم أساس العمل. قلت: إن الحزم رأيته منكم في هذه اللحظات التي أجلسها في مكتبكم العامر، وتعلمنا منكم الحزم في كل الأحوال، قال: نعم لا بد من الحزم وإنجاز الأمور أولاً بأول.
 
لقد تذكرت تلك الجلسة وذاك الحديث، بعد أن تفاجأ العالم بـ"عاصفة الحزم"، إنه سلمان، شجاعٌ لا يتردد، تعلّمَ الحزم من أبيه، وطَبّقَه مع بنيه، ونفّذه في مسيرته العملية. وحين تولى المسؤولية الكبرى للوطن، جاء الحزم تباعاً؛ وذلك بقراراته منذ الساعات الأولى لولايته، ورأينا الحزم في استقبالاته المتتابعة لضيوف المملكة ضيفاً إثر ضيف، حتى ولو كانوا مختلفي الهوى والفكر، جاءه أردوغان والسيسي، وآخرهم الإخواني الهوى البشير، وكلهم صاروا بحزمه وعزيمته واستقلاليته من مؤيديه وداعميه، ورأينا الحزم حين تطاولت وزيرة خارجية السويد على قضاء المملكة وسيادتها؛ فجاءت السويد تعتذر ويقبل اعتذارها، وتوّج الحزم بـ"عاصفة الحزم"، التي عصفت بالأحلام الإيرانية والآمال المجوسية.
 
إن منهج المملكة السلماني هو الحزم في كل الأمور؛ فها هو أخيراً في مؤتمر شرم الشيخ سمو الأمير سعود الفيصل يحزم بكل عزة وشموخ، ويرد فوراً على الرئيس الروسي في المؤتمر، ويذكّره بدعمه وأسلحته الفتاكة لبشار. إنه العصر السلماني الحازم، عصر المهابة والعزة، زاده الله ريادةً وشموخاً.  
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org