التطرف والصيد الحرام

التطرف والصيد الحرام
تم النشر في
 
البادي لكل ذي عينين أن حركات وجماعات التطرف والعنف تشوه هذا الدين الإسلامي الحنيف بأكثر مما يقوم به أعداء الإسلام ذاته، في الغرب وفي غيره، وهم ما برحوا يمكرون ويكيدون لهذا الدين؛ رغبة في وقف تمدده وانتشاره في ديار الغرب.
 
ومواجهة هذا الفكر الضال تحتاج إلى رؤية متكاملة، تتناغم فيها كل المجهودات، ولا تقتصر على جبهة واحدة أو طريق واحد، ولذا فمن المحتم وضع منظومة متكاملة تساعد على تجفيف منابع هذا التيار، تقوم على ثلاثة محاور: منهجية، واجتماعية، وأمنية.
 
المواجهة المنهجية، بمعنى دحض الأفكار التكفيرية بالتأصيل العلمي والشرعي من قبل الثقات من العلماء؛ لأن القضايا الفكرية لا تعالَج إلا بالفكر، في المقام الأول، واستخدام العصا الغليظة وحدها يزيد من عنف وتطرف تلك التيارات.
 
فالتكفيريون يستندون إلى نصوص انتقائية ومجتزئة من سياقها العام، ويتخذونها رافعة لدعوى التكفير، وعليه، فجزء أساسيّ من المعالجة ينبغي أن يتوجّه إلى تقديم القراءة الشرعية الصحيحة لمثل هذه النصوص.
 
وأما المواجهة الاجتماعية، فتكون بإعادة تأهيل أبناء هذا التيار ودمجهم في المجتمع؛ لأن عزلهم يؤدي إلى ترسيخ قناعتهم بما هم عليه، وربما يؤدي إلى تطور من حالة التكفير السلبي الانعزالي بطبعه، إلى التكفير العنفي، الذي يتأذى به المجتمع.
 
وتدخل في ذلك العلاجات النفسية؛ إذ إن بعض مقتنعي هذا الفكر، ليست مشكلاتهم فكرية بالأساس، بل نرى أن انخراطهم في تيارات العنف والتطرف ناجم من واقع نفسي سيئ، أو واقع اجتماعي متردٍّ، جرهم إلى ذلك الفكر، ولن تجدي معهم علاجات فكرية أو منهجية قبل تأهيلهم نفسياً ومجتمعياً.
 
والثالثة المواجهة الأمنية، ونقصد بها مواجهة أي أذى مادي يلحق المجتمع من قبل هذه التيارات بحسم أمني، بحيث يحفظ على البلد أمنه، وعلى المجتمع سلامته، وردع هذه التيارات من التحول من تيارات فكرية، إلى تيارات عنف، لا يمكن بحال تقبل وجودها في المجتمع دون إجراءات مناسبة تحد من تأثيرها الضار.
 
واستطراداً في الحديث عن طرق المعالجة، نقول إن التطرف لا يصلح بديلاً للتطرف، ومحاولة بعض الشخصيات أو الكيانات الاصطياد في الماء العكر، ومحاولة النيل من الثوابت المجتمعية، إنما هو صب لزيت التطرف على نار التكفير، ولن يزيد الأمر إلا خبالاً.
 
فثمة من يحاول النيل من مكانة العلماء في المملكة، ويحرض عليهم، على الرغم من أنهم صمام الأمان لهذا البلد، وهم السهم الرابح في عملية المواجهة، ومحاولة تقليص دورهم أو التحريض عليهم، إنما يعني مساحة أكبر يرتع فيها أصحاب الرؤوس التكفيرية، وغيرهم من أرباب الفكر الضال.
 
ونحن هنا لا ندّعي العصمة للعلماء، وإنما فقط نضع خطاً أحمر أمام من يريد زعزعة ثقة الأمة في العلماء، أو ينتقص من قدرهم وشأنهم، مع الاعتراف بما يكون من بعضهم من قصور في الإدراك، أو خطأ في الاستدلال، أو تقصير في البيان والنصح.
 
كما أن الدعوات الطافية فوق الماء العكر، والتي تسعى للصيد الحرام، بدعوتها إلى مواجهة تيارات التطرف والتكفير بالمسرح والسينما وبالمزيد من الموسيقى، لا نراها تقع إلا في ذات المجال المتطرف، بمحاولتها جذب المجتمع إلى التغريب ونبذ الهوية الذاتية.
 
فبعيداً عن السجال الفقهي حول الموسيقى وغيرها، فنحن نقول إن معالجة التطرف الفكري لا تكون بالتغريب ومخاصمة الذات، بل نراهما من الداء الذي يحتاج إلى مواجهة وعلاج، وليسا من الدواء الذي يصلح لمواجهة التكفير والتطرف الفكري، فالتطرف لا يصلح بديلاً للتطرف.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org