زارعو الموت في الحياة الفطرية

زارعو الموت في الحياة الفطرية
بين فينة وأخرى تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لعمليات صيد جائر لطيور محلية أو مهاجرة، أو لغزلان توارت داخل الصحارى البعيدة، وتسلقت شواهق الجبال النائية، وضبّان لم ينفعها ما تتخذه من أنفاق تحت الأرض، وتمويه فوقها، فأصبح الفناء الذي تفنن الإنسان في اختراع وسائله وأدواته يطول كل ذي روح، دونما حاجة أو رحمة.
 
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تسللت الأيادي العابثة بالحياة الفطرية إلى الحيوانات النادرة، فأهلكت كل ما وقع تحت براثنها، ليس لجلب منفعة، ولا دفع ضرر، وإنما للتباهي بالقدرة على القتل؛ فهناك ضباع قُتلت في وجارها، ثم عُلّقت في أشجار على قارعة الطريق، وهناك ثعالب أُسرت ثم حُرقت في أقفاصها، ورأينا عشرات الأرانب البرية والغزلان وقد تحولت من حياة تدب على الأرض إلى صورة جامدة من صور الموت، وبقيت صورة واحدة حيّة، لكنها محاطة بروائح الموت والبارود، إنها صورة الإنسان، الذي أصبح الخراب متعته، والتدمير مهنته.
 
ومما يؤسف له أن السعودية بحكم طبيعة أرضها الصحراوية، وانتشار العمران وتمدده فيها، فقد أصبح بقاء أنواع من الكائنات الحية بها مهدداً بالانقراض. ومن طبيعة الأراضي الصحراوية قلّة حيواناتها لندرة موارد الماء والكلأ. وهذه الحال تنطبق على صيد الكائنات التي تعيش بالجبال، والتي طالتها أيادي الصيادين بعد تقدم صناعة آلات القنص، وسهولة الحصول عليها؛ فأصبح ذلك يهدد التنوع الحيواني والنباتي الذي هو سرّ جمال الكون. ولو ذهبت إلى سوق الحمام بوسط مدينة الرياض، والأسواق المشابهة له في بعض مدن السعودية، لشاهدت أنواعاً نادرة من الطيور والحيوانات المأسورة في الأقفاص لبيعها والاتجار بها.
 
 وقد حددت (الهيئة السعودية للحياة الفطرية) مجموعة من المحميات، وهي 13 محمية برية، وثلاث بحرية، بهدف حماية مجموعة من النظم البيئية الطبيعية المتكاملة. وتسعى لزيادة المحميات، بعد أن تبيّن لها خطر الصيد الجائر الذي يمارسه الصيادون. ويشتمل نظام الهيئة السعودية للحياة الفطرية على مواد، من أهمها:
(حظر الصيد دون ترخيص من الهيئة السعودية للحياة الفطرية، وبيان الأحكام المتعلقة بترخيص الصيد، مثل منع الصيد داخل حدود المناطق المحمية وداخل المدن والقرى، ومنع صيد أنواع معينة من الحيوانات، والسماح بصيد نوع أو أنواع معينة في أوقات محددة)، لكن الناس لا يعبؤون بهذه العقوبات، ولا يلتزمون بتلك التعليمات، إما قناعة بأنها لن تطولهم، أو أنّ متعتهم بالصيد ونشر صور بطولاتهم الوهمية تستحق التضحية، وتحمّل عقوبات غير مؤلمة.
ولا بد حينئذٍ أن يُعاد النظر في العقوبات الرادعة لهؤلاء العابثين، الذين جهلوا عمداً ما ورد من تحريم قتل الحيوانات والطيور دون حاجة، ومن ذلك ما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (نهى عن الصيد إلا لمن أكله)، لكن الذي نراه من التباهي بالصيد الجائر وتعذيب وقتل بعض الحيوانات إنما هو من العبث، والبطر على النعمة.
 
قال الله تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الروم ٤١

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org