بروفايل "سبق" - خاص: في عام 1909م كان نحو ثلاثة يابانيين اعتنقوا الإسلام في أماكن وظروف مختلفة. كان من بينهم كوتارو ياماوكا، ليكون حسب الرصد التاريخي لدى أغلب المصادر أول مسلم ياباني يصل لمكة المكرمة حاجاً، ولينشر بعدها بسنوات قليلة تجربته في كتاب لاقى إقبالاً كبيراً.
كانت تلك أول علاقة لياباني بجزيرة العرب تقريباً. إلا أن التاريخ الحديث أكد أيضاً أن الحضور الياباني البارز كان مع الوجود السعودي، حيث تجاوز أكثر من خمسين عاماً من العلاقات المتنامية.
في الرصد التاريخي الحديث، تعود الاتصالات الرسمية بين السعودية واليابان إلى عام 1938م بدأت في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حيث زار وفد ياباني المملكة والتقى الملك عبدالعزيز.
ثم تلاها زيارة للملك فيصل -رحمه الله- إلى اليابان عام 1967 شكلت دفعة قوية للعلاقات السعودية اليابانية في مختلف المجالات، ثم توالت زيارات المسؤولين في المملكة إلى اليابان، مثل زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- إلى اليابان، وكذلك زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وعدد من المسؤولين.
السعودية واليابان منذ البداية شهدتا حضوراً كبيراً على الساحة، تطور سريعاً لتمنح السعودية حقوق امتياز التنقيب عن النفط لشركات يابانية، هي شركة الزيت العربية ووقعت اتفاقية الامتياز في ديسمبر 1957 وتم اكتشاف تجريبي للبترول في يناير عام 1960.
والزيارات من الجانب الياباني شهدت ذروتها لتصل قمتها من الجانب الياباني بزيارة ولي عهد اليابان الأمير أكيهيتو وزوجته ميتشيكو عام 1981.
وفي التاريخ السياسي، تمثل "الشراكة الشاملة نحو القرن الحادي والعشرين" التي وقّعها البلدان عام 1997م أمراً لافتاً جداً، وصاغها رئيس وزراء اليابان ريوتارو هاشيموتو والملك فهد.
تلا ذلك زيارة لولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز -حينها- لليابان عام 1998، ووقّع "التعاون السعودي الياباني" مع رئيس الوزراء كييزو أوبوتشي. كما زار وزير الخارجية الياباني يوهي كونو المملكة عام 2001، وأعلن مبادراته في ثلاثة مجالات: تشجيع الحوار بين الحضارات مع العالم الإسلامي، وتطوير مصادر المياه، والحوار السياسي الواسع المتعدد.
وما من شك أن الدولتين بما تمثلانه من ثقل سياسي واقتصادي، تسعيان لتحقيق تقارب وثيق يضمن مصالح البلدين في عالم متصارع من التكتلات.
حول ذلك يقول الباحث بمركز الخليج للدراسات عبدالعزيز صقر: إن الاهتمام الياباني بالسعودية متزايد ومستمر، ويتمثل في الرغبة في زيادة حجم العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري والاستثماري مع المملكة، وبدت اهتمامات المسؤولين اليابانيين واضحة بالمملكة كمكانة إقليمية ودولية، وسوق ضخم، ومورد نفطي هام داعم للاقتصاد الياباني العملاق.
ويرى "صقر" أن هناك فرصاً مواتية لارتياد مجالات جديدة للتعاون المفيد للطرفين "خاصة أن العلاقات الثنائية تمر بمرحلة متميزة ومهمة وتطورت بسرعة على الصعيد السياسي، فهي حققت قفزات مهمة على الصعيد الاقتصادي، إلى أن تبوأت اليابان مرتبة الشريك الثاني للمملكة، وإحدى أكبر الدول المستثمرة في السعودية، وبلغ حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان حوالي 180 مليار دولار، وحجم التبادل التجاري بين المملكة واليابان أكثر من 52 مليار دولار سنوياً، كما أن طوكيو التي تستورد 90% من احتياجاتها من الطاقة النفطية من منطقة الخليج، تبلغ حصة المملكة منها أكثر من مليون برميل".
كما أن المملكة بادرت إلى سد العجز في الواردات اليابانية من النفط بعد فرض الحصار الاقتصادي على إيران التي كانت واحدة من أهم الدول التي تعتمد عليها طوكيو في استيراد النفط.
السعودية بدورها تنظر باهتمام لليابان، خصوصاً أن الأخيرة تحتل مرتبة متقدمة عالمياً من حيث قيمة الناتج الوطني الإجمالي بنحو 5.5 تريليون دولار في عام 2010م، كما أنها ثالث قوة تجارية في العالم.
والسعودية -كما يرى الخبراء- في مرحلة البحث عن بدائل للطاقة ستجد لدى اليابان تجارب مهمة في تأمين محطات الطاقة النووية وتوليد الطاقة عبر الرياح أو الطاقة الشمسية، أو التي تعتمد على الانبعاث الحراري من باطن الأرض، والمملكة في حاجة إلى الطاقة من هذه المصادر بما تملكه من مساحة ومناخ ما يتيح لها الاستفادة من هذا النوع من الطاقة.
وفيما تبقى الأسئلة حاضرة عن التطورات التي يمكن للبلدين الوصول لها في المرحلة الحالية، وأهمها طبعاً على الصعيد الاقتصادي نجد أيضاً أن الخبراء يرون أنه بنفس الأهمية يجب النظر للتعاون من الجانب التقني حيث تبرز تجربة رائدة ممثلة في المعهد السعودي الياباني للسيارات في محافظة جدة قحيث تم تدريب الشباب على الخدمات المتعلقة بتقنية السيارات اليابانية وإدارتها.
وبعد نجاح تجربة هذا المعهد قام المستثمرون بإنشاء المعهد السعودي للإكترونيات والأجهزة المنزلية بالرياض.
يقول الدكتور عبد العزيز تركستاني سفير المملكة العربية السعودية لدى اليابان في ندوة "المملكة العربية السعودية واليابان.. من العلاقة إلى الشراكة": "العلاقات الاقتصادية والتجارية جعلت اليابان احد الشركاء التجاريين الرئيسيين للمملكة. تخضع هذه العلاقات لاتفاقيات عديدة وفي مقدمتها اتفاقية للتعاون الاقتصادي والفني".
مضيفاً: "ومن مشاريعها شركات مشتركة او مختلطة في هذه المجالات, ومن ضمنها إنشاء مجلس الأعمال السعودي الياباني والذي ساهم بشكل كبير في تقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الملكة العربية السعودية واليابان".
ويرى "تركستاني" أن العلاقات السعودية اليابانية ليست علاقات بترولية فقط وإنما أخذا آفاقاً أرحب حيث يوجد عدد كبير من الطلاب السعوديين في اليابان وهناك اتفاقيات تعاون بين الكثير من الجامعات السعودية واليابانية".
أما النائب بالبرلمان الياباني توشي أكي كيوزومي فيؤكد: "العلاقات الدبلوماسية بين كل من اليابان والسعودية بدأت من خلال البعد الاقتصادي المتمثل في البترول، لكنها بدأت تأخذ أبعاداً أخرى مع إطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي حيث انتقلت العلاقة من الاعتماد على المادة إلى العنصر البشري".
مضيفاً: "التعليم العالي وتطوره هو المحرك الأول للتطور وأن العلاقات السعودية اليابانية يجب أن تفعل هذا الجانب وتزيد من الاستثمارات المشتركة في هذا المجال".
من جهته، وفي ندوة «العلاقات السعودية ــ اليابانية وآفاق المستقبل» ضمن أنشطة المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية 26». قال الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع: «ونظرا لأهمية العلاقات بين السعودية واليابان فقد تم تكوين اللجنة السعودية اليابانية المشتركة التي عقدت عشرة اجتماعات في المملكة واليابان كان آخرها الاجتماع العاشر في شهر مايو 2010م".
الآن ومع الزيارة الميمونة لولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، فإن الأنظار والتطلعات ترى أن هناك ملفات عديدة في صالح البلدين في طريقها للتفعيل.