محليات
الشريم في خطبة العيد: الاستقرار سبب نجاح المجتمعات وفقدانه فشل ذريع
جموع المسلمين يؤدون الصلاة في ربوع السعودية
سبق - مكة المكرمة : أدى جموع المسلمين بالمسجد الحرام اليوم صلاة عيد الأضحى المبارك، وأمّ المصلين إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم، الذي أوصى المسلمين في خطبته بتقوى الله - عز وجل - والتمسك بالعروة الوثقى قبل المصرع؛ إذ بها النجاة بفضل الله، يوم المفزع بالتقوى يحقق المرء العبادة على نور من الله، يرجو ثواب الله، ويخشى عقابه.
وقال فضيلته: لقد أكرمكم الله في حجكم هذا بعيدين عظيمين، عيد الأسبوع يوم الجمعة، الذي وافق الوقوف بعرفة، وعيد الأضحى الذي هو الحج الأكبر يوم رمي جمرة العقبة ونحر الهدي والأضاحي وقضاء التفث، يوم الفرح بتمام الوقوف والمبيت والرمي والنحر، يوم إعلان التوحيد والبراءة مما يعبد من دون الله، إنه التوحيد الذي خلق الله الخلق لأجله، إنه الاستسلام لله بالطاعة والخلوص من الشرك وعبادته سبحانه وتعالى.
وأضاف: إن الله سبحانه وتعالى جعل الكعبة البيت الحرام قياماً للناس، فهي البناء الشامخ وقِبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، تتعاقب عليها الأجيال زمناً بعد زمن وجيلاً بعد جيل، ويقصد الناس هذا البيت الحرام للحج والعمرة. وإن هذا النسك العظيم يذكرنا بما أودع الله فيه من أحكام وحكم، كقيمة الأمن والاستقرار؛ إذ أمَّن الله فيها الإنسان والطير والوحش وسائر الحيوان؛ ليدرك الناس حاجتهم الملحّة إلى الأمن والاستقرار في حياتهم، فلا سياسة ولا تعليم ولا اقتصاد بلا استقرار؛ فبالاستقرار يسود الأمن، وبالأمن يؤدي المرء أمر دينه ودنياه.
وأكد فضيلة الدكتور الشريم أن استقرار المجتمعات سبب في النجاح الذي يشبع احتياج كل أفراده، وفقدان الاستقرار فشل ذريع في السير الآمن في مهامه في الحياة ودروبها، واختلال لكل مشروع إيجابي، وأن الاستقرار هو العود، وثمرته هي الظل، ومن المحال أن يكون الظل مستقيماً في حين أن العود أعوج.
وأشار فضيلته إلى أن في نُسك الحج المبارك يستلهم كل مسلم أثر العدل في قوام الحياة واستقرار المجتمعات، فيستلهم المسلم ذلك في كون الحجاج سواسية، لا فضل لأحد على أحد في شكل أو لباس أو وقوف أو رمي أو مبيت، كلهم قد ولدوا عراة، ثم هم يحجون بلباس يذكرهم بالعراة، إنه العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، العدل الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم. إن الله شرف أمة الإسلام بالعدل؛ إذ جعله قيمة مطلقة، فهو الأساس في تعامل المسلم مع غيره، حبيبًا كان أو عدوًا مسالمًا أو محاربًا.
وتابع فضيلته: إننا نعيش في زمن بلغ شأناً رفيعاً في الحياة المادية والنظريات الفلسفية والثورة التقنية والترسانة العسكرية المتشبعة بروح الأنانية والعدوانية، وإرادة العلو في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل، غير أن هذه الحضارة عجزت عن إشباع الروح بالرحمة والطمأنينة والحكمة والعدل والإيثار، ولا أدل على تلك النزعة من إفراز هذه الحضارة المادية السباق المحموم إلى التسلح على حساب الاحتياجات البشرية للأخلاق والطعام والشراب والمعيشة بأضعاف مضاعفة، حتى جنى على سياسة العالم الثالوث الخانق، وهو الخواء الروحي والقهر العسكري، ومن ثمّ أوجدت أسلحة الدمار الشامل، فدُعّت إلى شعوب العالم دعاً حتى صورت السلام حمقًا، والرحمة عجزاً، والعدل استكانة، وجعلت مفهوم الغبطة في الضعيف الجاثي على ركبتيه يسبق مدمعه مدفعه، حتى تشرّب العالم اليوم ألواناً من الحروب المدمرة، قلّ أن يسلم منها بلد.
وفي المدينة المنورة أدى جموع المسلمين صلاة عيد الأضحى المبارك في المسجد النبوي، يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة، وسط أجواء مفعمة بالإيمان والفرحة بقدوم عيد الأضحى المبارك. وامتلأت ساحات وأروقة وطوابق المسجد النبوي بالآلاف من المصلين. وأم المصلين فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالرحمن بن علي الحذيفي.
وعقب الصلاة ألقى الشيخ الحذيفي خطبتي العيد، وحمد الله وأثنى عليه سبحانه وتعالى على نعمه الظاهرة والباطنة ولما منَّ به على المسلمين من أداء مناسك الحج بكل طمأنينة وأمن وأمان، وقال: إن لكل أمة عيداً، يشتمل على عقيدتها، ويوحد كلمتها، ويظهر فيه سرورها، وتلبس فيه زينتها وبهجتها.. مستشهداً بقولة تعالى {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ}.
وبيّن أن الله تبارك وتعالى شرع للمسلمين عيدين مباركين في زمنين فاصلين، تتضاعف فيهما الحسنات، وتكفر السيئات، أولهما عيد الفطر بعد صيام رمضان، وثانيهما عيد الأضحى، ويأتي بعد أعظم ركن من أركان الحج. مستشهداً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذان اليومان؟ فقالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر".
وأوضح الشيخ الحذيفي أن لعيدي الفطر والأضحى في الإسلام معاني عظيمة سامية، وحكماً بالغة، وقيمة وبركات عامة، يعرفها من تفكر وتدبر فيها، كتحقيق التوحيد لرب العالمين سبحانه. فالصلاة بالقراءة فيها وأذكارها وأفعلها وأعمال القلوب فيها من الإخلاص والخشوع والرغبة والخوف.. كل ذلك توحيد لرب العالمين. فكرامة الإنسان وعزته تكون في توحيد الله تعالى، كما أن من قيمها العظيمة تحقيق الاقتداء بسيد البشر محمد - صلى الله عليه وسلم - ونشر شرائع الإسلام. وإن ما يتقدم صلاة العيدين من الذكر والتكبير هو تعظيم لشأن الله سبحانه، وإجلال لعظمته وعزته. مستشهداً فضيلته بقول الله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وفي مدينة الرياض أدى أمير منطقة الرياض، الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز ، صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض.
وأمّ المصلّين عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء، الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، الذي أوصى في خطبته المسلمين بتقوى الله - عز وجل - في السر والعلن، والعمل على طاعته واجتناب نواهيه، داعيًا إلى الإيمان بالله، والصبر على كل ما يمر به الإنسان من منازل الدنيا، وذلك احتساباً عند الله.
وأشار إلى فضل هذا اليوم المبارك الذي ينحر فيه المسلمون أضاحيهم تقرباً إلى الله، وتحقيقاً للتوحيد الخالص لله - عز وجل - واتباعاً لسنة الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يعيده على أمتنا الإسلامية وهي تنعم بكل خير وعز وتمكين.
وأمَّ المصلين إمام وخطيب جامع الأمير عبدالله بن مساعد بعرعر، الشيخ الدكتور محمد بن عبدالعزيز أبا الخيل، الذي حمد الله وشكره على أن مكّن المسلمين من الوقوف بصعيد عرفات الطاهر، في جوٍّ مفعم بالروحانية والإيمان، تكلؤهم عناية المولى - جل وعلا - في ظل ما وفرته وهيأته لهم حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - من إمكانات مادية وبشرية ومرافق خدمية، مكّنتهم من تأدية مناسكهم المقدسة بيسر وطمأنينة.
وبيّن أبا الخيل فضل يوم النحر، مؤكداً ضرورة أن ينحر المسلم أضحيته متى ما كان قادراً عليها، تأسياً بسنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، لما فيها من الأجر الكبير.
ودعا المسلمين إلى تقوى الله عز وجل بكل صغيرة وكبيرة من أمور دنياهم وأخراهم، وحثهم على العمل حيال مضاعفة الحسنات وصلة الأرحام وزيارة المرضى وإقامة الصلاة مع الجماعة في وقتها، والتعاون على فعل الخير والفضيلة، مقدّماً شكره لرجال الأمن القائمين على أمن هذه البلاد، وداعياً الله أن يديم عليها نعمة الأمن والاستقرار.