وزارة العمل ودحرجة "القواطي"

وزارة العمل ودحرجة "القواطي"
دحرجة العلب الفارغة أو "القواطي" مَثل أمريكي، يُطلق على الرؤساء الأمريكان عندما لا يتعاملون مع مشاكل حقيقية تهم المواطن الأمريكي (Every President Kiks The Can Down The Road)؛ ما يعني أن كل رئيس يقوم بترحيل المشكلة إلى الرئيس الذي يليه. هذا هو حال وزارة العمل عندنا في السعودية في ترحيل قضايا مهمة، مثل: السعودة، العمالة الوافدة وإصلاح بيئة العمل؛ إذ يتم ترحيلها من الوزير السلف إلى الخلف. 
 
فمنذ العملية السيامية وفصل وزارة العمل عن الشؤون الاجتماعية في العام ٢٠٠٤م، أي منذ ١١ عاماً مضى على استقلال الوزارة، ولا يزال وزراء العمل يدحرجون "قواطي" السعودة، والعمالة الوافدة، وبيئة العمل، من وزير إلى آخر، والاكتفاء بنشاطات شكلية مع بقاء القضية الأصلية.
 
مسكينة هي وزارة العمل؛ تعاقب عليها منذ استقلالها ثلاثة وزراء: غازي القصيبي، عادل فقيه ومفرح الحقباني. وبالرغم من أن الوزير الأخير لم تظهر "مواري" رؤيته أو استراتيجيته حتى الآن لكن لا يبدو في الأفق أي فعل مغاير أو أنه سيتوقف عن دحرجة "القواطي"؛ لأن هذا ديدن من سبقه من الوزراء. 
 
وزير العمل الجديد هو الوحيد من بين الوزراء الجدد الذي أتى من رحم الوزارة التي تسلم حقيبتها؛ إذ كان وكيل الوزارة للتخطيط والتطوير، ثم نائب الوزير، بمعنى أنه يعرف عمق المشاكل منذ زمن. 
 
ونتمنى أن نكون على خطأ في حكمنا على معاليه، لكن هناك أربعة أسباب توحي لنا بأن الوزير الجديد سيعجز عن إحداث فَرْق، وأن دحرجة "القواطي" ستستمر: 
الأول: يعود لمنصب وشخصية الوزير نفسه.
الثاني: التركة الثقيلة التي خلفها وزير العمل السابق.
الثالث: تعقُّد وتشابك الملفات.
أما الرابع: هيكل وزارة العمل. 
فهل يتمكن معالي الوزير الجديد من التوقف عن دحرجة "القواطي"؟
 
يمكن لنا أن نجادل أن السعودة أو التوطين أو خفض نسبة البطالة تشكل القضية الأهم، أو "القوطي" الأول أمام وزير العمل. عبث الوزراء السابقون في أمر السعودة والتوطين، وجاؤوا بأفكار ظنوها للوهلة الأولى حلولاً، بالرغم من تقارير متعددة، تؤكد خطأهم، إلا أنهم استمروا، وأصدروا الكثير من القرارات والبرامج والمبادرات، وهم يعلمون أن تلك الحلول ليست إلا دحرجة "للقواطي"، وأنها لن تأتي بسعودة حقيقية، تنعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني. ما هي النتيجة اليوم؟ الجواب: ارتفاع في النسبة الرسمية للبطالة بثلاثة أضعاف مما هو مقرر في الخطة الخمسية التاسعة؛ فعدد العاطلين المعلن رسمياً يراوح عند (600.000)، إلا أن بيانات "طاقات" التي نُشرت مؤخراً أظهرت عدد (1.865.674) عاطلاً يبحثون عن وظيفة، مقابل (11.300) وظيفة معروضة. وهذه فضيحة بحد ذاتها في برنامج كلّفت مئات الملايين؛ لذا تؤكد الأرقام أن واقع البطالة يشكّل ثلاثة أضعاف المعلن رسمياً. 
 
ومن هنا نلاحظ أن برامج "نطاقات" و"طاقات" ليست إلا "طواقي" للتضليل، أو "قواطي" للدحرجة.
 
قبل أيام خرج وزير العمل الجديد أمام منظمة العمل الدولية؛ لكي يعلن بكل ثقة وفخر وزهو أن وزارة العمل وظفت (900.000) خلال السنوات الثلاث الماضية. وهذا غير صحيح. حقيقة الأمر أن من تم تسجيلهم في بيانات التأمينات الاجتماعية، وليس توظيفهم، في السنوات الثلاث التي يشير إليها الوزير هو (663.774). وهناك فرق بين التسجيل والتوظيف، قرر الوزير - رعاه الله - أن لا يلتفت إليه، كما لم يسعفه معاونوه بتقديم الأرقام الصحيحة، ومع هذا لن نسأل الوزير عن نسبة السعودة الوهمية من ذلك العدد، أو عدد من تبقى منهم على رأس العمل، أو نسبة التسرب.. فعندما يذكر الوزير رقماً حتى لو كان حقيقياً لكنه غير موجود على أرض الواقع يصبح هذا هو التضليل.
 
وهذا النهج - مع كل أسف - استخدمه وزير العمل السابق في الإيهام بالسيطرة على الوضع، وواقع الحال يشير إلى أن الأمر ليس إلا دحرجة لـ"قوطي" السعودة.
 
هنا قد يتبادر إلى الأذهان سؤال: لماذا يضطر وزير العمل إلى دحرجة "القواطي"؟ نقول ببساطة: لأن الوزير يعلم علم اليقين أن قطاع الأعمال، وخصوصاً "دكاكنجية" التجارة، سيقفون ضد أي قرار لسعودة حقيقية، وسيتمترس "شريطية" الاستقدام ضد أي انتقاص من هيمنتهم؛ فيضطر الوزير إلى حفظ ماء الوجه، والاكتفاء ببعض القرارات التجميلية، والمبادرات والبرامج الملونة للتضليل، ويدحرج "قواطي" السعودة والاستقدام وما يتبعها على الذي يليه، وهكذا. 
 
الأمر ذاته يحدث بالنسبة لبيئة العمل أو التغيير في ثقافة التجارة والاتجار البائسة السائدة.
أخيراً، نقول لوزير العمل الجديد: إن دحرجة "القواطي" لن تفيد، وإن تضليل "الطواقي" لن يستمر؛ فشمر عن ساعديك، وتذكّر القسم الذي أقسمته أمام الله وبين يدي الملك بأن "تؤدي أعمالك بالصدق والأمانة والإخلاص". 
 
ختاماً، تذكر أن كل مساعديك والقياديين حولك لم يؤدوا القسم كما فعلت أنت، فاستبدلهم جميعاً؛ فقد اعتادوا تضليل "الطواقي"، ودحرجة "القواطي". 
ولك منّا الدعاء الصادق. وفقك الله. 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org