خطبة العروس كـ"شراء البطيخ"!

خطبة العروس كـ"شراء البطيخ"!
يسألني جاري عن الشباب وما صارت أخلاقهم إليه وما هي علامات التديُّن الحقيقي!
حينها حكى لي معاناةً صعبة لابنته من زوجٍ شرس الطباع، منغلق الفكر والتفكير، وقد توسّم فيه خيراً حين تقدم له، خدعه مظهره ووظيفته الشرعية الموثوق بمن يتولاّها!
فما عساي أن أقول له؟
وقد اختلفت النية، وتغيرت الوجوه، وأظلمت القلوب، وانتكست الفِطَر، وطغت المادة، وسادت في كثيرين إلا من رحم ربي.
الزواج "قسمة ونصيب" كما يُقال، ويعني أن المرء قد لا يكون له تدبير فيه! وهذا ليس على إطلاقه.
في عرفنا التقليدي أن الشاب يتقدم لوالد الفتاة، ومن ثمّ يسأل الأب عنه بوسائل سهلة ومختصرة، تكشف واقع حياته وأخلاقه، يسأل مثلاً إمام المسجد؛ إذ يُفترض أن الشاب يصلِّي الصلوات الخمس في المسجد الأقرب لبيته، وسؤال عابر لبعض جيرانه، ثم تزويجه!
وهنا قد يفاجأ أهل الزوجة برجل ذي نفسيّة معقدة، أو تديُّن خادع، أو سلوك غير سويّ، أو تصرفات عوجاء، أو عقل أحمق.. وهكذا.
كما أن البنت تُخطب بناء على رأي الأم والنساء اللاتي يكبرنها سناً وثقافة واختلاف عادات وتقاليد!
وعندها يجد الزوج عروساً خرقاء أو رفلاء أو مهذاراً أو ذات تسلُّط وحَنق وحَمق! وأنه خُدع وتورَّط.
كمن يشتري بطيخة؛ فلا يدري حمراء أم بيضاء!
 والفراق عندئذٍ يُعتبر صعباً وعيباً؛ باعتبار أن الطلاق إهانة لها ولأهلها وتدميراً لمستقبلها الاجتماعي!
 وهنا تجد الزوج وبقلب رحيم، وإكراماً لأهلها، يقدِّم الصبر والتحمُّل و(دف) عجلة حياته باستقرار كاذب وسعادة جوفاء وتفاهم شكلي؛ ما يجعل المشاكل تقبس بشرارة.
مع أن الطلاق ليس عيباً، وأنه كان في صدر الإسلام والعصور المتعاقبة تتزوج المطلقة ولا عيب.
أما خطبة الزواج فالشاب اليوم يتواصل بنفسه مع أهل المرأة، وقد يتواصل مع أخته التي تتوافق معه في معايير الزواج وتقارب العمر، ويبقى على الأبوين القبول والموافقة على أسرة الزوج فقط!
اليوم يكون تواصل قبل الزواج، ولا يدري كثير من الآباء والأمهات أن الأمر طُبخ بليل! وأن رأيهما مقتصر على اسم الأسرة وفتح باب الدار للزوج! ليرى الرؤية الشرعية، وعلى الأب دفع فاتورة الحفل! وعلى الأم القيام بأعباء وترتيبات العرس وضيافة الابن أو الابنة الجديدة على الأسرة!
يتأكد السؤال في هذا الزمن بطرق متنوعة لمعرفة الخاطب أو المخطوبة في أمور مهمة، مثل:
التديّن الحقيقي لا الشكلي!
معرفة الصُحبة واهتماماتها، وما تقضي به الوقت فكراً وممارسةً وحواراً.
السفر وأين ومع من ولِمَ! لأن السفر يكشف اهتمام المسافر، ويُسفر عن أخلاقه.
النَفَس والنفسيّة للزوجين! وكيف يفكران وكيف يريان الحياة والآخرين وتقلبات المزاج والتصرف في الأزمات واتخاذ القرارات الحياتية! وما طول نَفَسيَهما في الخلاف والتحمُّل.
لا بد من عقد الزواج من التأكد من صحة الشاب والشابة النفسيّة، من خلال المراجعة لعيادة طبية نفسية موثوقة كما هو الحال في التقرير الطبي اليوم؛ إذ يكون في ذلك حماية للمرأة الضعيفة من شخص قد يقلب حياتها نكداً وغمًّا وناراً.
وللشاب أن يعيش بهناء وسعادة واستقرار.
يمكن معرفة فكر واهتمام الشاب والشابة اليوم بوسائل تكشف العقول، وتقرأ السلوك، من خلال ما يكتبان في التواصل الاجتماعي العام، والبوح بخواطر النفس مع الأصدقاء والخلاّن والأصحاب.
التعلُّم والمستوى الفكري والتعليمي مؤثر في طريقة التفكير ورقيّ الطموح وأسلوب الحديث مع الآخرين.
أما المخدرات بأنواعها، وما أدراك ما هي، فأتمنى شرط الكشف لنَيل براءة التعاطي من المخدر!
بسبب تعقُّد الحياة والابتعاد عن الإيمان بالله قد يتناول الشاب وأحياناً الشابة المخدر هروباً من واقع لم يستطيعا أن يتعايشا معه وفيه، وإن كان لا يصل ذلك لحد الظاهرة.
متى نخطب لبناتنا قبل أولادنا!
 فالمثل العامي يقول: "اخطب لبنتك قبل ولدك".
لكن! لو أن رجلاً خطب لابنته شاباً هل سيثمن الشاب تلك الخطوة من ذلك الأب! الواقع أن كثيرين قلقون من أن يستهين الشاب بزوجة أُهديت له! وهذا غير صحيح؛ فقد كان في العصور الأولى في الإسلام شيء من ذلك حين وهبت امرأة نفسها للنبي عليه الصلاة والسلام.
ولعل مفهوم الخطبة يتغير بأن تبدأ من خطبة الشاب، ولا عيب.
أما خطبة العادات الجاهلية كالحجر فهي الجاهلية الجهلاء والباقعة الجدباء، والظلم بسرقة زهرة العمر من بنات لا حول لهن ولا قوة في اختيار الزوج!
جاري العزيز..
تغيَّر الزمان وتغيَّرنا.. ليته بقي وبقينا.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org