استراتيجيتنا لمواجهة الفساد.. أين الخلل؟!

استراتيجيتنا لمواجهة الفساد.. أين الخلل؟!
لديّ قناعة تامة بأن الفساد, بصوره المتعددة, السافرة والمستترة, هو العدو الأول لأية تنمية مستدامة تريدها بلادنا, وأنا على يقين بأن درهماً من التقدم بلا فساد, خير من قنطار تقدم في ظل وجود فساد؛ سواء كان مصدر ذلك الفساد الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات.
 
ففي حالة "التقدم الدرهمي" بلا فساد؛ فالدولة تقف على أرض صلبة, ويكون النجاح والتنمية متوالية, وستصل مهما طال الزمن إلى مرادها من التقدم, الذي تبغيه كل شعوب العالم.
 
أما في حالة "التقدم القنطاري" مع وجود الفساد المستشري في أوصال المجتمع والمؤسسات؛ فأنت تبني على الماء, ويتوهم الجميع أنهم يسيرون إلى الأمام؛ فيما قاطرة المجتمع ترجع إلى الخلف.
 
ونحن بصدد معالجة قضايا الفساد، لا بد أن نشير إلى أن الأولوية ليست في كشف الفساد ولا المفسدين؛ وإنما الأولوية نراها في منع الفساد, وتجفيف منابعه, والحد من وجوده وانتشاره.
 
فالفساد كالعدوى المرضية, يتسلل بين أفراد المجتمع, وقد يصل إلى حد الوباء الذي لا تستطيع ملاحقته, أو الحد من آثاره الخطيرة, ومن ثم كانت الأمصال الوقائية خير وقاية منه.
 
ونحن إذ نقدّر ما تقوم به الجهات الرقابية, في بلادنا؛ ولكننا نأخذ عليها أن استراتيجيتها لمواجهة الفساد, لم تعد تتواكب مع التطور المذهل في صور الفساد ووسائله وأدواته  وتنوعاته.
 
كما أن هذه الاستراتيجية تقوم في ركيزتها الأساسية على الملاحقة وليست على المنع, وهذه نقطة الضعف الرئيسية في استراتيجية مواجهة الفساد في بلادنا, والتي تؤدي إلى الفشل في استئصاله.
 
خذ على سبيل المثال, ما تم رصده في 33 ألف جولة رقابية قامت بها هيئة الرقابة، والتحقيق خلال العام المنصرم (1434ـ 1435هـ)؛ حيث كشفت عن تسيّب 78542 موظفاً, وجاءت التربية والتعليم أولاً؛ حيث ضبطت الهيئة تغيب أكثر من 29 ألف موظف من منسوبيها البالغ عددهم 300 ألف و950 موظفاً؛ فيما تأخر عن مواعيد العمل 14 ألفاً و847 موظفاً.
 
وفي جولات الهيئة الرقابية على وزارة الصحة والقطاعات التابعة لها، سجّل التقرير غياب 8475 موظفاً وتأخر نحو 4000 عبر أكثر 20717 جولة على منسوبي الوزارة الذين تجاوز عددهم 141 ألفاً.
 
وتجاوز المتغيبون عن عملهم في وزارة الشؤون البلدية والقروية 8180 خلال عام التقرير، كما رصدت الرقابة تأخر 3827 موظفاً عبر 1395 جولة على الوزارة البالغ منسوبيها 57 ألفا و390، كما كشف التقرير عن تغيّب 5762 موظفاً وتأخر 3962 آخر من ضمن أكثر من 32 ألف موظف ميداني بوزارة العدل. (صحيفة الرياض في عدد 16981).
 
كم خسرت الدولة من هذا الفساد؟!
 
ولماذا لم تُعد الهيئات الرقابية وسائل تمنع هذه الصورة البسيطة جداً من الفساد, والمعروفة منذ عشرات السنين؟!
 
حسناً.. دعونا نسأل هيئاتنا الرقابية المعنية بمكافحة الفساد: ماذا في جعبتكم لمواجهة هذا الفساد؟ّ!
 
أتمنى ألا يكون الجواب هو الصمت المطبق.. فالقاطرة تعود للخلف!!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org