ناصع
حج 1435هـ.. السعودية تجدِّد ريادتها في "إدارة الحشود" والتزامها بخدمة ضيوف الرحمن
سبق - خاص : في كلمة لها في المؤتمر الدولي لطب الحشود والتجمعات البشرية، الذي استضافته السعودية، أكدت الدكتورة سلا يانويا الخبيرة في الأمم المتحدة أنه "لا توجد دولة في العالم تدير وتنظم الحشود والتجمعات البشرية كما تفعل السعودية في موسم الحج، وبهذا المستوى، وبشكل سنوي. دول العالم، بما فيها جنوب إفريقيا خلال استضافتها كأس العالم، استفادت من الخبرة السعودية في ذلك".
وفي أكتوبر 2012م نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الكوماندر البريطاني في "اسكوتلانديارد" مقدوم تشيسي قوله: "السعودية تستحق الميدالية الذهبية في إدارة تنظيم الحشود وتوجيه الكتل البشرية"، مشيراً إلى "علو كعب الاحتياطات الأمنية في السعودية عندما يأتي قرابة خمسة ملايين حاج في وقتٍ واحدٍ، ومن مشارب عدة وثقافات متعددة.. هنا يكمن الفارق".
لقد أثبت حج هذا العام ما لا حاجة لإثباته من حرص دائم للمملكة على تقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن بشكل يدعو للفخر والاعتزاز، وهو شرف عظيم، شرّف الله به هذه البلاد وقادتها وأبناءها بالقيام بخدمة الحرمين الشريفين وحجاج وزوار بيت الله الحرام.
- تجربة إدارة الحشود:
غير أن من أهم ما اشتهرت به السعودية بخلاف ذلك تجربتها الرائدة عالمياً في "إدارة الحشود"، وهو ما أصبح محط اهتمام عالمي لنقل التجربة لدول عديدة، أبدت رغبتها في ذلك، وبعضها دول كبرى وشهيرة في ذلك المجال.
يقول اللواء سعد الخليوي لـ "الشرق الأوسط" خلال افتتاح إحدى ندوات الأمن مسؤولية الجميع: "عدد من الوفود العالمية، ومنها جهاز الإنتربول، وجهات من الصين وأمريكا وفرنسا وإيطاليا وسنغافورة، طلبوا عرض تجربة السعودية في بلدانهم في إدارة الحشود البشرية في الحج".
ويؤكد "الخليوي" أن السعودية تعكف في ظل ندرة البحوث الأكاديمية المتناولة جانب الحشود البشرية على طرح الرؤى والأفكار التطويرية، بما يكفل إيجاد إطار مناسب وتأسيس مفهوم لها، إضافة إلى الاستفادة من تجربة السعودية في إدارة الحشود البشرية في الحج.
لقد أذهلت تجربة السعودية في إدارة الحشود البشرية التي تنفذها خلال موسم الحج العالم أجمع، خاصة الولايات المتحدة والسويد والجامعات العالمية، التي بدأت تتجه لتدريس تجربة السعودية في إدارة 3 ملايين حاج في وقت واحد، وفي مساحة جغرافية محدودة.
- تطوير لا يتوقف:
لقد ركزت (إدارة الحشود البشرية) فور تكوينها على يد المغفور له - بإذن الله - الأمير نايف بن عبد العزيز عام 2006م على فهم وتصحيح وضبط المتغيرات الاجتماعية تجاه وجود الكم البشري الهائل، وذلك بالاهتمام ببرامج التوعية عند التحاشد والزحام الشديد عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، كما اهتمت بالبرامج الوقائية في المدارس التي تحتاج إلى انسيابية لإدارة الحشود الطلابية، أو في مراكز الحج في الدول التي تنوي شعوبها الحج قبيل القدوم، إضافة لجهود التطوير الشاملة.
بحوث التطوير لا تتوقف. يقول مدير مركز التميز البحثي في النقل وإدارة الحشود في جامعة أم القرى الدكتور عماد فلمبان: "المشاريع مستمرة، ومنها عمل دراسة حركة تدفقات الحشود في الساحات الشمالية للحرم المكي الشريف.. المشروع يشتمل على تحليل التدفقات البشرية باستخدام تقنيات العد الآلي، وتحليل الصور والأفلام، ونمذجة التدفقات البشرية، واستخدام برامج المحاكاة لاختبار الفرضيات ومقترحات تنظيم الحشود بالحاسب الآلي".. هذا نموذج واحد فقط.
هذا فيما يقول خبير الحشود كيث ستيل، الذي كان مستشاراً خاصاً لشؤون الحج بين عامي 2001 و2005: كنا أكثر تشككاً بشأن إلى أي مدى يمكن أن تساعد التكنولوجيا في هذه الأماكن. وقال في تصريح لـ"بي بي سي" إن "أي تكنولوجيا يجب أن ترافقها خطة لإدارة الحشود".
هذا، بينما يعلق على ذلك وزير الصحة السعودي السابق د. عبدالله الربيعة: "السعودية أصبحت مرجعاً عالمياً لطب الحشود، لتجربتها العالمية في ذلك، وهي الآن من أكثر دول العالم التي تقوم بعمل استقصاء وبائي دقيق جداً حرصاً منها على سلامة المواطنين أولاً، ثم من يفد إليها، وفي مقدمتهم الحجاج والمعتمرون".
- تفوق أمني وخدماتي:
في حج هذا العام - وككل عام - بذلت السعودية أفضل ما لديها.. فبجانب إتاحة كل الخدمات أمّنت الحج بأكثر من سبعين ألف رجل أمن من القطاعات الأمنية كافة، وأكدت عدم التساهل مع أي شخص يحاول الدخول إلى المشاعر المقدّسة لأداء فريضة الحج دون تصريح. يقول مدير الأمن العام السعودي اللواء عثمان المحرج: "إن قوات الأمن تشارك في حج هذا العام بما يصل إلى سبعين ألف رجل أمن في إدارة الحشود البشرية للحفاظ على أمن وسلامة الحجاج، وتقديم أفضل الخدمات لهم".
وعلى صعيد الأمثلة، فقد قدمت السعودية - وعلى أعلى مستوى - مشروعات وبرامج وخدمات مساندة متعددة لخدمة ضيوف الرحمن، منها: إنشاؤها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة بجامعة أم القرى، الذي يقدم البرامج البحثية والاستشارية والتنفيذية والتدريبية لتطوير منظومة شاملة للحج والعمرة والزيارة، والارتقاء بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن. كما تقوم بتقديم أفضل التقنيات والإرشادات والخدمات ووسائل الراحة والترفيه كافة للحاج، ومن أمثلتها أنظمة تبريد للجو، تتمثل في أنابيب ينبعث منها رذاذ ماء بارد فوق الحجاج للتخفيف من وطأة الحر.
- احترافية وتدريب:
وعن الجوانب الأمنية يقول مساعد قائد قوات أمن الحج لشؤون الأمن اللواء جمعان الغامدي: إن شؤون الأمن هي إحدى المنظومات التي تباشر مهامها، وتتكامل مع القيادات الأخرى المشاركة من الأمن العام، وبها 4 قيادات، تشمل قيادة الأسلحة والمتفجرات، وتغطي جميع المشاعر المقدسة ومداخل مكة المكرمة بفرق أمنية محترفة ومدربة فنيًا، ومجهزة بأعلى التجهيزات. وقيادة الشرط، وتغطي المشاعر بعدد 30 مركز شرطة ونقطة أمنية. وقيادة الضبط الإداري، وبها ما يقارب 7 قيادات، من أهمها قيادة الدوريات الأمنية، التي تغطي المشاعر بعدد 400 دورية أمنية راكبة و100 دورية لدراجات نارية، وما يقرب من 60 دورية سرية.
هذا، فيما تتمركز مهام إدارة الحشود البشرية داخل المشاعر المقدسة وأثناء تنقل الحجيج من مشعر إلى مشعر آخر. ومن مهامها ضمان عدم عرقلة الحركة، ووصول الحجاج إلى مقاصدهم بكل يسر وسهولة، إضافة إلى مراعاة الجوانب الإنسانية عبر (4) مراحل، الأولى هي أيام التروية، والثانية التصعيد إلى عرفات، والثالثة النفرة من عرفات إلى مزدلفة إلى منى، والرابعة والأخيرة خلال التعجيل أثناء التنقل بعد الرجم وانتقالهم إلى المسجد الحرام، منعًا لحدوث أي تدافع، وضمان سلامة الحجاج في جميع المواقع.
ولعل من أبرز القيادات التي تتقدم الجهات المشاركة هو الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية؛ إذ يحرص سموه على أدق التفاصيل أثناء إعداد الخطط الاستراتيجية، والإفادة من التقنية، بوصفها عنصراً مهماً في سرعة وسهولة وتوحيد إجراءات الممارسة الأمنية على الأرض.
إن فن إدارة الحشود هنا هو اهتمام بكل التفاصيل، واتخاذ جميع التدابير اللازمة - وقد تم أخذها - للحفاظ على أمن وراحة ضيوف الرحمن.
- مركز القيادة والسيطرة:
هو من أهم الأدوات والأذرعة لمنظومات الجهاز الأمني المهمة في موسم الحج؛ فهو يتابع تنفيذ الخطط الميدانية (العسكرية، المدنية، الحكومية، الأهلية والخدمية)، باستخدام الوسائل والتقنيات المتاحة كافة، من خلال نشر أكثر من (5000) كاميرا موزعة في أماكن حيوية ومهمة. وستصل مع نهاية المشروعات إلى (10) آلاف كاميرا.
ويقوم المركز بتنسيق جهود القيادات الأمنية كافة، واستقبال المعلومات كافة وتحليلها، مع توفير قاعدة من المعلومات والبيانات والإحصائيات الدقيقة، للإفادة منها في إعطاء التصور اللازم للقادة والمشاركين الميدانيين، إضافةً إلى دراسة المعطيات كافة وتحليلها، والتنبؤ بما قد يطرأ من أحداث، إلى جانب المشاركة في إدارة الأزمات حال وقوعها، وتوجيه القيادات الميدانية بتطبيق حالات الطوارئ.
(قطار المشاعر) في هذا العام تم تجهيزه لتقديم خدمات التفويج لأكثر من 72 ألف حاج كل ساعة، وهي أعلى طاقة استيعابية لقطار في العالم. ويبلغ عدد القطارات عشرين قطاراً، وتصل حمولة كل قطار إلى 3000 راكب، ويضم كل قطار 12 عربة، بطول 300 متر، وتبلغ سعة كل عربة 250 شخصاً، منهم 50 جلوساً و200 وقوفاً، ويبلغ عدد المحطات تسع محطات، ولكل مشعر ثلاث محطات. ويبدأ مسار القطار من محطة الجمرات، ويمر بمشعر منى ثم إلى مزدلفة، ومنها إلى عرفات. ويخفف القطار من الزحام، ويحافظ على نظافة البيئة من آثار التلوث الناجم عن عوادم السيارات.
- منظومة الحج.. تتكامل:
منظومة الحج بفضل الله تتكامل بين جهات عدة تسعى لخدمة ضيوف الرحمن في شتى المجالات الأمنية والصحية والتشغيلية، وكذلك وسائل النقل، وتشمل الجهات الأمنية والعسكرية (الحرس الوطني، المباحث العامة، المديرية العامة للجوازات، كلية الملك فهد الأمنية، الاستخبارات العامة، حرس الحدود، قوات الأمن الخاصة والدفاع المدني). وكذلك مشاركة الوزارات والإدارات (المالية، الحج، البلديات، التجارة، المياه والكهرباء، الصحة، النقل، الهلال الأحمر ومؤسسات الطوافة).
جهات أخرى لها دور مواكب، توجد أيضاً في هذا المحفل الديني الرائع، لكن بطريقة مختلفة، لكنها تسعى أيضاً للجودة والتطوير. فقد كلفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) فريقاً من المهندسين والمراقبين الماليين والقانونيين والإداريين؛ وذلك لمراقبة ومتابعة الأجهزة المشاركة في موسم حج هذا العام 1435 في المهام الموكلة إليها، وللتأكد من أنها تقوم بمهامها بمنأى عن ممارسات الفساد والإهمال. كما أن هيئة الرقابة والتحقيق هي أيضاً تشارك لرصد أي قصور ومعالجته على الفور.