خمسة الوالد وخمسون الوالدة

خمسة الوالد وخمسون الوالدة
نعلم جميعاً أن كل إنسانٍ منّا مجبولٌ على حب الخير والرغبة فيه، وهذا أمرٌ فطريٌ، أخبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى عن الإنسان: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (سورة العاديات - الآية رقم 8)، وإن كان كثيرٌ من المفسـرين قد أجمعوا على أن المقصود بالخير في هذه الآية يتمثل في (الـمـال)، إلاّ أن الدلالة في الآية الكريمة تنسحب على الخير كله بشتى أنواعه وألوانه.
ومن الطبيعي بعد ذلك أن يُحب الإنسان الاستزادة من الخير أياً كان نوعه، وأن يجتهد في ذلك الشأن، ويحرص عليه، مع أنه لا يعلم الغيب، ولا يدري فيم يكون الخير الذي يريده، ويطمع فيه، ويسعى لتحصيله.
 
وهنا أورد للإخوة القراء ما أخبرني به أحد الزملاء عن موقفٍ طريفٍ حصل له في صغره، وأن ذلك الموقف كان بمنزلة (الدرس التربوي) الذي تعلم منه الكثير في حياته، ولاسيمـا أنه يتفق في دلالته ومعناه مع ما يتردد على الألسُـن من مقولاتٍ يأتي من أبرزها قولـهم: "قليلٌ يُسعدك خيرٌ من كثيرٍ يُشقيك"، وقولهم: "قليل يهنيك، ولا كثير يعنيك"، ونحو ذلك من العبارات التي يتمثل المعنى الإجمالي لها بأن العبرة ليست بالكم والكثرة، لكنها بالكيف والنوعية.
 
وفي وصفه لهذا الموقف يقول: عندما كنت أدرس في مراحل التعليم العام كنتُ متفوقاً على زملائي في الفصل، وكنتُ أحصل على أعلى الدرجات بينهم؛ ولذلك فعندما كانت تعلن نتائج الامتحانات النهائية وأحصل على إشعار النتيجة فإنني أنطلق به إلى البيت مسرعاً لأُبشـر أهلي بنجاحي وتفوقي؛ فكان والدي يعطيني جائزة النجاح (الثابتة) التي لا تتغير، والتي تتمثل في مبلغ (خمسة) ريالات فقط، أما والدتي فقد كانت تعطيني (خمسين) ريالاً. وعلى الرغم من الفارق الكبير بين العطيتين إلا أنني اكتشفت بعد ذلك أن خمسة الوالد كانت أبرك وأحسن وأفضل من خمسين الوالدة؛ فقد كان والدي يعطيني تلك الريالات الخمسة ويترك لي حرية التصـرف والاستمتاع بها، أما والدتي فقد كانت تعطيني الخمسين ريالاً لكنها تحذرني من المساس بها أو التصرف فيها، ولا تسمح لي سوى بالخروج بها بعض الوقت مع رفاقي لأريهم دون أن أخرجها من جيبي، ثم العودة السـريعة إلى البيت لتستردها، بدعوى أنها سوف تحفظها لي إلى وقت الحاجة.
 
وهكذا مرّت الأيام دون أن أجد لتلك الخمسين أثراً في حياتي، فعلمتُ بعد حين أن قليل العطاء قد يكون أنفع وأجدى وأبرك من كثيره، وأن ما يصل الإنسان نفعُه وفائدته خيرٌ له وإن كان قليلاً مما لا يُفيد منه ولا ينتفع به وإن كان كثيراً، بل إنه ربما كان مسؤولاً عنه ومحاسباً عليه، وهنا تكون الطامة الكبرى، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
 
وختاماً: أسأل الله تعالى أن يُبارك لنا فيمـا وهبنا وأعطانا وإن كان قليلاً، وأن يرضينا به، وأن يرزقنا القناعة بمـا قسم لنا من فضله. والحمد لله رب العالمين.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org