"العين" حقّ.. ولكن..!

"العين" حقّ.. ولكن..!
عندما يعجز الإنسان عن معرفة واقعه، أو يتكاسل عن العلم والتجريب، يهرب من واقعه (عالم الشهادة) إلى (عالم الغيب)، فيوعز الأسباب إلى الجن، والعين، والسحر، ونحو ذلك مما لا دليل عليه.
 
وليس ببعيد عنا ما كان يفعله آباؤنا إلى عهد قريب في موضوع الصرع؛ إذ كانوا يربطونه بمسّ الجن، وإذا بالطب يعلمنا أن سببه خللٌ في النواقل العصبية لكهرباء دماغ الإنسان، وأن استعمال أدوية مؤثرة في هذه النواقل تغنينا عن ربط المصروع بالأصفاد الحديدية، وضربه بأشدّ السياط، وخنقه بقبضة اليدين لإخراج الجانّ الذي سبَّب صرعه، عدا سجنه في ظلام دامس مدة أربعين ليلة، لا يرى فيها بصيص النور، ولا يستأنس بأهله، وربما يقوم بعض المعالجين الشعبيين بما هو أشدّ وأنكى مما أعرفه وذكرته هنا.
 
كذلك التهاب العصب السابع الذي يسبب شللاً في أحد جانبَي الوجه؛ إذ كان الأولون يعتقدون أن ذلك من فعل الجن، فيلطمون المريض بالأحذية حيناً من الدهر، ويمنعون المريض من تناول اللحوم والملح، ويحجبونه عن الضوء، إضافة إلى خرزة الرصاص التي توضع تحت لسانه.
 
وليس ببعيد ما يحصل لمرضى الاكتئاب والفصام والأمراض الذهانية الأخرى. 
 
إنَّ عَجْزَنَا سابقاً عن فهم أسباب حدوث ذلك جعلنا نربطها بالغيبيات، إما الجنّ أو السحر أو العين.
 
وقد تواتر على ألسنة الناس أن العين الحاسدة هي السبب الأول لمرض السرطان بأشكاله كافة، وأن دليل ذلك هو وقوف الطب عاجزاً عن علاجه واستئصاله، وَإِنْ كان من مصداقية في هذه المقولة فهي أن الإنسان هو سبب حدوث ذلك، لكن ليس من خلال عينيه؛ فالأمراض المستعصية والمعدية كان الإنسان هو سببها الأول، وما من فساد في البرّ أو في البحر إلا وكان ليد الإنسان فيها دور كبير.
 
فقد تلوثت المياه والتربة والهواء، ودخلت الأسمدة غير العضوية وملونات الحلويات ونكهات المشروبات غير الطبيعية ومواد حفظ المعلبات، كمسببات للسرطانات، كذلك أدوات التجميل والمساحيق للنساء، والاستخدام المفرط لأكياس البلاستيك، وزيوت الطبخ التي تُستخدم عشرات المرات للوجبات السريعة، ونحوها.
 
إنني لا علم لي بالطب ودقائقه، لكنني أعلم ما يعلمه العامة، ونقرأ ما يكتبه لنا المختصون لتوعيتنا إرشادنا، وسوف يأتي زمنٌ يكون فيه مرض السرطان أثراً بعد عين، كما هو حال مرض الجدري سيئ السمعة، ومرض الحصبة.. ولكن ستظهر أمراض أخرى، يكون للإنسان الدور الأبرز في حضانتها.
 
إن العودة لنقاء الطبيعة قدر الإمكان هو الحل الأمثل. فوضع الماء في زير الفخّار يعيد له حياته وصفاءه، وكذلك طهو الطعام بالطرق التقليدية التي كان آباؤنا وأمهاتنا يستخدمونها قبل التقنيات الحديثة، والانصراف عن بعض العادات السيئة كالتقبيل بالوجه والأنف، والاكتفاء بالمصافحة، وغسل الأيدي بصورة جيدة، وعدم الولوج إلى الأماكن المزدحمة لغير حاجة، واتباع طرق الوقاية والسلامة عند حاجتنا إلى زيارة المستشفيات، وغسل اليدين جيداً بعد عدّ النقود؛ لأن النقود تتناولها أيدي كل الناس، صحيحهم ومريضهم..
بعد ذلك كله قولوا ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وتكونوا بهذا طبقتم معنى الحديث الذي رواه الترمذي "اعقلها وتوكل"، وإن كان هذا الحديث قد ضعَّفه بعض العلماء.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org