واس- الرياض: أوصى عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز آل الشيخ، المسلمين بتقوى الله؛ مشدداً على أن تنامي ظاهرة الإرهاب وانتشارها في أنحاء العالم يستلزم من العقلاء وصنّاع القرار وقفة حازمة.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض اليوم: "الله سبحانه وتعالى لم يخلق الناس هملاً، ولم يدع حالهم مهملاً، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}".
وأضاف: "أيها المسلمون إن البشرية إذا ضلّت في التوحيد فإنها تتخبط في فوضى التدين وتغرق في وحل الجاهلية، إن بني الإنسانية عاجزون عن إدراك طريق النجاة بمفردهم وعاجزون عن إدراك طريق الرشاد بذاتهم فلا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، لا ينتفع عن النفوس الشقاء، ولا ينتفع عن العقول الاضطراب؛ إلا أن توقن أن الله هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، وأن له الأمر كله وله الملك كله، قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}".
وبيّن أن التوحيد هو العبودية التامة لله سبحانه وتعالى وتحقيق كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن يقيم عليها عمره كله، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين}.
وأضاف: "توحيد في الاعتقاد، وتوحيد في العبادة، وتوحيد في الأحكام، توحيد تُنَقّى به القلوب أن تعتقل إلى غير الله، توحيد تنقى به الجوارح أن تصرف به شيئاً من الأعمال لغير الله، توحيد تنقى به الأحكام أن تؤخذ من أحد غير الله؛ فالتوحيد هو أول الأمر وهو آخره، وظاهره وباطنه، وذروة سنامه، به قامت السماوات والأرض، وانقسم الناس ما بين مهتدٍ وضال، وما بين شقي وسعيد".
وأردف قائلاً: "أيها المسلمون، لقد اعتنى القرآن الكريم بالتوحيد عناية عظيمة؛ كيف لا وهو القضية العظمى ومهمة الرسل الكبرى؟! قال تعالى: {لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}؛ فالقرآن كله حديث عن التوحيد، وبيان لفضله، وعلو منزلته، كما أنه حديث عن الشرك وبيان عاقبة أهله، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}، القرآن يتحدث عن الكفار ليرغّبهم في التوحيد، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتوحيد هو من صفات عباد الرحمان، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَر}".
وزاد: "لقد خاطب الله أنبيائه؛ فقال عن إبراهيم عليه السلام: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ}، وقال تعالى: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، وقال سبحانه: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وقال جل وعلا: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ}، وقد أمر الله سبحانه وتعالى جميع أنبيائه بالدعوة إلى التوحيد؛ فقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إله إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}، وكان كل نبي يقول لقومه: "يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره".
وتابع الشيخ عبدالله آل الشيخ قائلاً: "أما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلقد جاء فيها من أولها إلى آخرها مكيها ومدنيها، حديث عن التوحيد ابتداءً من الإنذار الأول {والرجز فاهجر}، مروراً بإنذار العشيرة والقبيلة {وأنذر عشيرتك الأقربين}، وفي الصدع يقول سبحانه: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين}، وبدخول الرسول المصطفى مكة وتكسير الأصنام يقول سبحانه: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً}؛ فلم تخلُ فترة من فترات دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام من دعوة إلى التوحيد، ولم يتركها وهو وحيد ولم يتركها وهو في خصام الشر، ولم يتركها وهو في مسالك الهجرة والعدو يغلبه، ولم يغفل عنها وهو الظاهر بين أنصاره في المدينة؛ فهذه سنته وسيرته وأحاديثه والقرآن خير شاهد".
وقال: "أما أركان الإسلام فجاءت كلها لإقامة التوحيد؛ فالشهادتان هي إثبات للوحدانية ونبذ للتعددية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمه: "إن الشريعة قائمة على تحقيق الشهادتين وإقامة الصلاة مفتتحة بالتكبير، وأما أداء الزكاة فإن الزكاة قرينة القرآن في أكثر من موضع؛ فالمسلم حينما يؤدي زكاته خالصة لله سبحانه وتعالى؛ فإنه يتخلص من عبادة الدينار والدرهم، يقول سبحانه: {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة كافرون}، وأما الصوم الحقيقي مَن يدع طعامه وشهوته خالصة لله سبحانه وتعالى، وأما الحج فكله توحيد لله ونفي للشرك".
واستطرد قائلاً: "إن بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، تجتمع فيها مشاعر المسلمين وشعائرهم؛ فهي ليست لنا وحدنا بل لجميع المسلمين؛ فأمننا أمنهم واستقرارنا استقرارهم، بلادنا صنعت التاريخ؛ بل صنعت أعظم حدث في التاريخ؛ فتاريخنا تاريخ دين ومبادئ يجتمع حولها الجميع ويعتز بها الجميع ويتمسك بها الجميع، بلادنا ليست مبنية على عصبية ولا إقليمية ولا مذهبية، ورجالها الذين بنوها لم يعتصموا بقبيلة ولم يتعصبوا لمذهب، بلادنا غايتها لا إله إلا الله محمد رسول الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة ولي الأمر، والبيعة على كتاب الله وسنة رسوله، منهجها هو الإسلام والقرآن هو دستورها".
وتابع: "بلادنا ما ارتفعت إلا حينما رفعت راية التوحيد؛ فحفظ الله عليها دينها، وجمع كلمتها، وأبدلها من بعد خوف أمناً، وأغناها من بعد عيلة، وعلّمها من بعد جهل، وأصبغ عليها ثوب الصحة والعافية؛ فالحمد لله على ما أنعم به وتفضّل وأعطى وأجزل؛ فقد تعانقت الدولة والدعوة في وضوح للمنهج وسلامة للمسلك؛ على رغم ما يتقول به المتقولون، قال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور}".
وأكد "آل الشيخ" أن تنامي ظاهرة الإرهاب وانتشارها في أنحاء العالم، لَهُوَ ظاهرة خطيرة تلزم من العقلاء وصناع القرار وقفة حازمة تجاه هذا الأمر الخطير؛ مشيداً بالتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب؛ سائلاً الله تعالى أن يُسدد خطاهم، وأن يوفقهم لما يحب ويرضى.