( ثقافة التعويض المعنوي).. الحاجة لقوانين تنظيمية

( ثقافة التعويض المعنوي).. الحاجة لقوانين تنظيمية
بروفايل "سبق"| خاص:قبل فترة تنوقل تنظيم يعاقب الرجل المعنف لزوجته أو من يضريها بمبلغ لا يتجاوز 50 ألف ريال ولا يقلّ عن خمسة آلاف ريال، وحظي بتعليقات وتغريدات هائلة. كان ذلك بحق مما يؤكد الحماس والتطلع لإيجاد قوانين تنظم مسألة التعويضات.
 
و بالرغم من التفاؤل الكبير لدى الحقوقيين بتحسن ثقافة المواطن السعودي نحو إدراك حقوقه وواجباته وصولا للمطالبة بالتعويضات، إلا أن ذلك قد لا يكون حتى الأن بالصورة المقبولة مجتمعيا خصوصا في ظل الغياب الكامل لقوانين التعويضات خصوصا ( التعويض المعنوي) الذي هو الأخر مازال يدور في فلك يساق أحيانا لجانب الخلاف الشرعي.
 
  من جهة أخرى فمن المؤكد أن ثقافة التعويضات ليست بالظاهرة الجديدة تماما على المجتمع السعودي، غير أن هناك فعليا وعي قانوني كبير بدأ ينتشر وهو ما أنعكس ليرمي بثقله على ساحات القضاء فتزداد الضغوط عليها.
 
 الأخصائيون الاجتماعيون يؤكدون أن (ثقافة التردد) كانت ومازالت عائقا أمام الكثير للمطالبة بحقوقه أو تعويضات مستحقة نتيجة أخطاء تضرر منها، فهناك من يتردد في مطالبة جهة حكومية أو وزارة معينة رغم عدالة قضيته.
 
 
 
-        غياب التعويض المعنوي:
 
 قضايا المطالبات بالتعويضات أصبحت مألوفة إعلاميا. فأشهرها التعويضات نتيجة الأخطاء الطبية ومنها أيضا ضد أخطاء التجميل، ومنها نتيجة أضرار نفسية، وقليل منها ربحها أفراد ضد جهات حكومية أو مؤسسات، وفي أغلبها لم يشمل التعويض إنصافا (الجانب المعنوي).
 
 حول ثقافة التعويضات يقول  المحامي سامي الدريفيس التميمي في حديث لصحيفة الرياض: "ثقافة التعويضات بدأت تنتشر داخل المجتمع السعودي خلال السنوات الماضية، بسبب الدور التثقيفي لوسائل الإعلام.كان يعد من العيب أن يطلب الشخص تعويضاً نتيجة أي ضرر لحق به".
 
 ويؤكد الدريفيس أن التعويض ليس ثقافة ولكنه "مطلب شرعي حثت عليه الشريعة الإسلامية والأنظمة في حالة التعرض للأذى بمختلف أنواعه، موضحاً أن من يتسبب في أي خطأ لأي شخص سواء كان الخطأ طبياً أو مادياً أو معنوياً، فعليه تعويض المتضرر بالمبلغ الذي يطلبه شرط أن يكون في حدود المعقول وحسب الضرر، وحسب تقدير الجهة القضائية المختصة على أساس القاعدة القانونية التي مؤداها "ما فات المضرور من كسب وما لحقه من خسارة في النفس أو المال أو السمعة". 
 
 
 
-       ثقافة أم مطلب شرعي:
 
أما القانوني سلطان آل زاحم فيؤكد على الجانب الأهم:"التعويضات عن الأضرار المعنوية ليس لها تقدير مالي في محاكمنا كالتأخر في سداد الدين المالي، وكالسب والشتم وإنما المعمول به الاكتفاء بتعزير المحكوم عليه، وفي تصوري سيكون هناك نظام يقّوم هذه الأضرار المعنوية بتعويض مالي تقدره جهة مختصة جراء ما تعرض له المتضرر من أضرار بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية".
 
المعروف أن هناك أسباب للتعويض المالي والمادي نتيجة الضرر، ولكن من النادر الحكم بتعويضات نتيجة الضرر المعنوي. ولعل من أبرز قضايا التعويض المادي في المملكة حوادث السيارات.
 
  من جهته يطرح الكاتب د. سليمان المشعل أسئلة في غاية الأهمية :" هل التعويض ثقافة فقط أم أنه مطلب شرعي حثت عليه الشريعة الإسلامية وكذلك لوائح الأنظمة في حالة التعرض للضرر والأذى بمختلف أنواعه؟.. هل أسهمت المنظومات الحكومية ذات العلاقة في نشر التوعية المجتمعية مع التعريف بالحقوق والأنظمة؟ 
 
مضيفا:" يمكن لتحقق ونجاح ثقافة وتطبيقات ونتائج هذه الثقافة أن تسهم إيجابا في حفظ الحقوق والكرامة بما يتزامن مع رفع الروح المعنوية للفرد. 
 
 هذا فيما يعانق الكاتب عبد العزيز المحمد الذكير جانبا في غاية الأهمية: "أعتقد أن آفة نيل الحق التعويضي عن الضرر هي تمطيط الإجراء وتطويل و إطالة الفترة على حساب المتضرر , وهذا سيجعل الحق يضعف , إن لم نقل يتبخّر".
 
 
 
-       الحقيقة الذكية:
 
 والحق أن "الذكير" يلامس واقع الجروح فعليا بقوله:"لا أراني بحاجة إلى إدراج أمثلة وطرائق الحصول على الحق التعويضي وسهولتها فى الغرب. لدرجة أن البائع يخاف من دعوى قد يقيمها عليه المستهلك. والمقاول يحذر من عيب التنفيذ ومخاطرة خشية من جمهور عابرى السبيل. والمماطل بالتسديد يخشى من تكلفة الدعوى التى قد يقيمها عليه المتضرر من المماطلة , وهكذا ترجع المظالم والديون إلى أهلها وقد لا يصل الأمر إلى القضاء . وكل هذا خوفاً من تحمل الضرر اللاحق".
 
 من جهتها تقول الكاتبة مها محمد الشريف:"قد تستطيع الدولة المساهمة في زوال مشاكل الناس المادية، والتخفيف من وقع المعاناة الشخصية، فالداعي الأساسي هو التعويض، انطلاقاً من اعتبارات أولية من الدولة للوطن والمواطن".
 
 وتضيف " الشريف": فالقدرات مهما بلغت من القوة والنظام، لا تستطيع أن تقف أمام الأعاصير والعواصف والسيول، ولكن تستطيع المساعدة والتصرّف الإنساني الذي يساند المنكوبين ويطالب بحقوقهم من شركات التأمين، بمحاذاة القانون، علما أن التأمين على الممتلكات في مجتمعنا مغيب كلياً إلا في حالات مختصرة جداً".
 
  أما الكاتب إبراهيم الأفندي هو بحق يفتح النار في كل الاتجاهات متسائلا:" التعويض المعنوي والأخلاقي في (الأنظمة السعودية).. هل القضاء الإسلامي ناقصٌ إلى هذا الحد؟ّ". 
 
   ويوضح "الأفندي":"ما أغبى أن نصل في دولة الشريعة، وأرض الرسالة، إلى كلّ هذا الذي يحدث من قِصَصٍ شرّ بليّتها ما يضحك! عندما تتحوّل قضايا ادّعاء واضحة المعالم إلى معاملات بين محقّقين وجلسات متباعدة الأشهر والسنين، ولجان لا شأن لها إلا تكديس الأوراق فوق الأوراق..".
 
 
 
-        تغييب الشريعة:
 
  ويصل "الأفندي" للجرح فينكأه قائلا: " من قال أنّ الشريعة الإسلاميّة وقضاءها لا يعطي عوضاً عن الضرر المعنويّ والأخلاقيّ؟ الذي يقول هذا نظام القضاء الشرعيّ السعوديّ، ومع أنّي لا أفهم في الفقه ولا التشريع ولا القضاء، إلاّ أنّني ـ كإنسان ـ أفهم في المبادئ الإنسانيّة، وهي التي دعا إليها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، والتي تنصّ على أن يؤتى كلّ ذي حقّ حقّه دون مطل أو ظلم حتى لو كان يهوديّاً أو نصرانيّاً أو كافراً، فما بالنا نحن السعوديين نُهين بعضنا بعضاً بموجب الشريعة الإسلامية، ونهين إخوتنا المقيمين على أرضنا، لا بل نهين تاريخ القضاء الإسلاميّ كاملاً!
 
 هذا وفيما يؤكد الواقع أن ثقافة التعويض في المجتمع السعودي  بدأت تظهر بشكل إيجابي إلا أنها تعاني من غياب نظام  تشريعي لتعويض المتضررين معنويا.كما أن التعويض المعنوي الذي لا تزال حوله إشكالية في مسألة أن التعويض لابد أن يكون مثبت. هذا فيما يتم تبادل بعض الفتاوى التي تحرم التعويض المعنوي مما يعني أن على المتضرر بعد جولات طويلة وخسائر فادحة قد لا يحصل سوى على الحق الأساسي ولا ينظر للمتاعب النفسية وغيرها من المعاناة. فيما يرى البعض أن التعويض عن الجانب المعنوي موجود في الشريعة الإسلامية مستدلا بحديث (حديث الترويع) الشهير عن الرسول صلى الله عليه وسلم. فهل سنشهد صدور قوانين تضع الأمور في نصابها؟.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org