"رامي الخليفة": "دولة أردوغان" تكشّر عن أنيابها

استخدم لاجئي سوريا كورقة ابتزاز لأوروبا
"رامي الخليفة": "دولة أردوغان" تكشّر عن أنيابها

أكَّد الباحث في الفلسفة السياسية والخبير في قضايا الشرق الأوسط "رامي الخليفة العلي"، في زاوية "حديث الأربعاء" اليوم في صحيفة عكاظ؛ متاجرة أردوغان بقضية اللاجئين السوريين لأهدافٍ سياسية بعيدة كل البعد عن الجوانب الإنسانية، التي سعى لابتزاز الدول الأوروبية، وما أن انتهى من أوراق ضغطه السياسية المادية المليارية حتى بدأت حقيقته التي تسعى للنفوذ فقط.

وقال العلي: "عدم فهم جملة التطورات التي تجري في المنطقة وأخطاء فادحة في الحسابات، أضف إلى ذلك النرجسية التي تصل إلى حد المرض، والاعتداد بالرأي حتى وإن ثبت خطؤه، والبحث عن الشعبوية، سواء الوطنية أو العابرة للحدود، خصوصًا في إطار الانتماءات الأيديولوجية، كل ذلك يمثل خليطًا خطرًا يتكرس في شخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وينعكس بالسلب على تركيا الدولة، فضلًا عن تأثيره السلبي على المنطقة برمتها بسبب أهمية هذه الدولة الاستراتيجية".

وأضاف: "لعل المثال الأكثر وضوحًا هو الملف السوري، وكيف تعاملت معه الحكومة التركية منذ انطلاق الثورة السورية في العام 2011 وحتى اليوم؛ في البداية نظر حزب العدالة والتنمية إلى ما سمي الربيع العربي باعتبارها فرصةً سانحة لتركيا لتمديد نفوذها في المنطقة، بما أن تركيا نسجت علاقات مع الإسلام السياسي، وهو المؤهل من وجهة نظر أردوغان للحكم بعد تفجر الأوضاع في عديد الدول العربية".

وتابع: إن "هذه الرؤية شملت أيضًا الملف السوري دون إدراك للخصوصية التي تحظى بها سوريا؛ كونها نقطة تلاقٍ لمصالح إقليمية ودولية. اعتقد أردوغان أن الأمر لن يطول في سوريا حتى يسقط نظام الأسد ويتشكل نظام سياسي جديد؛ لذلك وجد أنه من الضروري أن تكون لتركيا اليد الطولى في بنية هذا النظام الجديد، هذا الفهم انعكس على موضوع اللاجئين السوريين في تركيا؛ حيث اعتبر أردوغان وجزء وازن من أعضاء حزبه، أن اللاجئين سوف يكونون أساساً للنفوذ التركي، وأن المعارضة التي تنشأ في تركيا سوف تكون مدينة لأردوغان، وهذا يمثل قوة ناعمة مستدامة".

وأوضح أنه "طوال سنوات كان الاعتقاد السائد أن المسألة مسألة وقت وينهار النظام السوري وتحقق تركيا هدفها، في تلك المرحلة لجأت حكومة العدالة والتنمية إلى وصف اللاجئين السوريين بالضيوف والمهاجرين، على اعتبار الشعب التركي هم الأنصار، وفي كل ذلك كان أردوغان يريد تحقيق هدفين: الأول إعطاء بعد ديني لانتماء اللاجئين إلى نهج أردوغان وسياساته في سوريا، أما الهدف الآخر فهو التحلل من الواجبات التي تفرضها المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين. لكن حسابات البيدر لم تتطابق مع حسابات الحقل، وطال أمد الحرب، وبدأ تغير الموقف من اللاجئين السوريين؛ حيث تحولوا إلى ورقة في عديد الملفات التي تهم تركيا".

وقال العلي: "في ربيع العام 2015 انطلقت موجة من اللاجئين السوريين لم تشهدها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حيث كانت حشود الهاربين السوريين تبدأ من تركيا ولا تنتهي إلا في دول أوروبا الغربية أو الدول الإسكندنافية، كانت الأبواب التركية مشرعة أمام اللاجئين للهروب إلى القارة العجوز. أردوغان وجد في هذه الموجة ورقة يضغط من خلالها على الجانب الأوروبي، وهذا فعلًا ما حدث؛ حيث تعهدت أوروبا بإعطاء تركيا عدة مليارات شريطة أن تجعل هذا البلد سجنًا كبيرًا للسوريين لا يستطيعون الفكاك منه".

وتابع: "منعت تركيا السوريين من الخروج، ومن استطاع الفرار قبلت بإعادته إليها، على امتداد السنوات اللاحقة لم يتورع أردوغان عن إهانة السوريين في خطاباته عندما يعتبرهم وحوشًا يخيف بهم أوروبا، وبقيت الدول الأوروبية تخضع لابتزاز أردوغان رغبة في شراء الوقت، من أجل اتخاذ إجراءات لا تجعلها رهينة لأردوغان وحكومته، ومن هنا أقامت أوروبا قوات خاصة لحراسة الحدود، كما قامت دولة كالمجر ببناء سور على حدودها، كما أن موجة اليمين الشعبوي أفرزت حكومات لم تعبأ بالمعاهدات التي وقعت عليها أوروبا، وبالتالي رويدًا رويدًا بدأت هذه الورقة التي كان يهدد بها أردوغان تفقد قيمتها".

وأوضح العلي أنه "في كل هذا المسار كان اللاجئون نقطة تجاذب بين العدالة والتنمية من جهة، وأحزاب المعارضة من جهة أخرى؛ السوريون في تركيا هم الورقة الأضعف، وسوف يدفعون ثمن أي اضطراب يحدث في تركيا، فعندما حدثت المحاولة الانقلابية الفاشلة كانت خشية السوريين لا توصف، باعتبار أن هناك من يهددهم على الدوام، وكانوا يعتقدون أنهم يستطيعون أن يلوذوا بأردوغان وحزبه، ولكن بعد تلك المحاولة تغيرت تركيا فتحولت من الدولة التي تريد أن تكون نموذجاً يحتذى به إلى دولة أمنية وبوليسية؛ المعتقلون فيها بعشرات الآلاف وسقف الحريات انخفض إلى حد غير مسبوق منذ سنوات طويلة، وسارت تركيا بخطى متسارعة إلى دولة الزعيم الواحد والحزب الواحد، فكان من الطبيعي أن يخسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية في كبريات المدن التركية، وخصوصًا في إسطنبول".

وأضاف العلي قائلًا: "وبما أن أردوغان وحزبه لن يقبل الاعتراف بالأخطاء فكان من الطبيعي أن يكون الوجود السوري هو كبش الفداء الذي تنسب الخسارة إليه، وكان من الطبيعي أيضًا أن تكشر دولة أردوغان عن أنيابها ضد الطرف الأضعف من هذه المعادلة، وهنا بدأت حملة لاعتقال أي سوري يتم الظفر به في طرقات إسطنبول، وإعادته إلى مدن أخرى وعلى الأغلب إعادته إلى سوريا، مع كونها الخطر الذي هرب منه. أما مصطلحات الضيوف والمهاجرين فهي لم تعد سوى هراء".

واختتم العلي قائلًا: "الصور الأخيرة التي تناقلتها وكالات الأنباء لا تعني سقوط الكثير من الخطابات الزائفة وحسب، بل تعني سقوط نموذج دولة القانون ودولة المؤسسات والدولة النموذج، التي لطالما تشدق بها أردوغان وحزبه".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org