تعالوا نلعب "بلايستيشن"

تعالوا نلعب "بلايستيشن"
دخل "نادر" مع ابنه الصغير ذي الست سنوات لمحل ألعاب مليء بالأجهزة والأشرطة.. وتوجه للبائع على استعجال..
 
نادر: لو سمحت عطني بلايستيشن لولدي خالد.
 
البائع: موجود آخر نسخة وعليه عرض معه ثلاثة أشرطة مجانية.
 
نادر: حلوو بس بسرعة بالله.
 
يقاطع الولد أباه: بابا أهم شي نشتري شريط حرامي السيارات، والشريط اللي على غلافه صورة مجرم معه رشاش؛ لأن ولد عمي مشتريها.
 
البائع يرد: موجودة.. ومعها هدية شريط حرب القلعة مجاناً.. فيه حروب ومطاردات وتحدي للشرطة وتفحيط ووناسة.
 
غادر "نادر" وابنه المحل بعد أن اشترى أشرطة لا يعرف محتواها، ولا يدري إيجابياتها وسلبياتها، المهم في رأيه أنه وجد لابنه العروض الخيالية.
 
ومع الأسف؛ فإن "نادر" ليس على اسمه؛ فهو في هذا التصرف يمثل غالبية المجتمع.  
 
ولم يكن نادر بعيداً عن صديقي الذي زرته في منزله وسألته عن طفله الصغير "ريان"؛ فقال: صار كبيراً وعمره 9 سنوات، والآن يلعب على جهازه الإلكتروني في "المقلط".. وبعد أن تناولت أول فنجان للقهوة، طلبت منه أن ينادي "ريان".. وجاء بوجه مشغول وعيون لا تنظر إلا في جهازه المحمول..  أجلسته بجانبي قليلاً ثم سألته: شكلك مبدع في ها اللعبة يا ريان.. كيف طريقتها؟
 
تشجع "ريان"، وأشار إلى سيارة ليموزين فاخرة يقودها في اللعبة بموسيقى صاخبة وغيّر الصورة إلى داخل السيارة؛ فإذا بالسائق ومعه فتاة شبه عارية.. قال "ريان": لو قدرت أوصل أكبر عدد من البنات للشباب اللي يطلبونهم أكون الفائز، وأنتقل للمرحلة التالية.
 
أتذكر أن أباه في تلك اللحظة رمى فنجان القهوة من يده وصاح فيه بأعلى صوته: "وش تقول؟".
 
وفي الفترة الأخيرة انتشر فيديو على "اليوتيوب" و"الواتساب"، وفيه طفل خليجي يشرح لخاله كيف أن إخوته يلعبون بلايستيشن وفيه مراحل، لا بد أن يحصل اللاعب الذي يحركونه في اللعبة على مخدرات ليفوز، ولا بد أن يدخل مرقصاً ويقوم بحركات جنسية مع المومسات حتى ينتقل للمرحلة التالية.. سأله خاله: وأبوك يدري عنهم؟ قال: لا، أبوي ما يدري، ولو يدري كسر البلايستيشن!!
 
ومن القصص التي حدثت مع أحد أقاربي أنه كان متوقفاً عند إشارة حمراء ومعه ابنته الصغيرة في سيارتهم؛ فقالت له ابنته: بابا خلينا نأخذ السيارة اللي قدامنا ونترك سيارتنا هذي هنا. قال لها أبوها: كيف وهي سيارة غيرنا. قالت: ببراءة شوّهتها الألعاب الإلكترونية: نفتح بابها بقوة ونضربه على وجهه وننزله ونركب بسيارته.
 
وزد على هذه الأمثلة والقصص بحثاً اطلعتُ عليه للدكتور عبدالله الهدلق من جامعة الملك سعود، عن وجود مخالفات عقائدية في كثير من الألعاب الإلكترونية؛ ومن ذلك أن بعض الألعاب تشترط إطلاق النار على القرآن، وإهانة المساجد وتحطيمها، وقتل كل من في الطريق، بالإضافة إلى مشاهد عنف، وإجرام، ودماء، وسرقات، ومخدرات، ومشاهد عري، وهروب من الشرطة، وغير ذلك.
 
وفي بحث آخر تَشَرّفت بإعداده وتقديمه في مؤتمر الألعاب الإلكترونية وتأثيراتها التربوية الذي نظّمته المؤسسة القطرية الاجتماعية بالدوحة قبل عدة أشهر، كانت النتائج أن غالبية الأسر والعائلات تختار لأبنائها ألعاباً لا تتناسب مع أعمارهم، أو لا تتناسب مع تعاليم ديننا وثقافتنا، وحوالى 85% من الأسر تختار أشرطة البلايستيشن بناء على طلب أبنائها أو تجربة من ابن الجيران أو صديق الطفل، وما نسبته 97% من الآباء لا يعرفون معاني الرموز الموجودة على أشرطة "البلايستيشن" ولا يهتمون بها.
 
وعلاوة على كل ما سبق؛ فإن من أخطر ما يواجه الأبناء في الألعاب الإلكترونية وألعاب "البلايستيشن"، أن ينغمس في اللعب لأوقات طويلة حتى يفقد الشعور بما حوله، ويتكرر ذلك حتى يصل لمرحلة الانطواء وتقمص الفكرة وشخصية اللاعب في اللعبة، وربما تتسبب في تغيير فكري وثقافي وعقائدي سلبي عليه، والحوادث في ذلك كثيرة؛ ومنها ما نشرته الصحف في وقت سابق عن قيام طفل سعودي بالانتحار تقليداً للعبة إلكترونية أدمن عليها.
 
ومَرَدّ انتشار كل هذه السلبيات -وخاصة في تعاملنا التربوي والتقني- هو رؤية العائلة الخاطئة؛ فالعائلة الخليجية والسعودية خاصة؛ إما أن تسمح للتقنية كلها وتفتح لها أبواب المنزل وعقول الأبناء بلا تقنين ولا ضوابط ولا حُسن اختيار، أو تمنعها كلها بلا تفكير، وتغلق على أبنائها حتى تكون تلك الألعاب أو التقنية في منظورهم حلماً يسعون لتحقيقه، وكل ممنوع مرغوب.
 
إن كل أم غالباً تأمر أبناءها أن يبتعدوا عن شاشة التلفزيون حتى لا يضر قوة نظرهم؛ لكنها تتناسى أو تجهل التأثر الفكري والعقلي لما يشاهده الطفل من برامج أو يمارس من ألعاب؛ فهل الأهم هو ضعف النظر أم دمار الفكر والعقل؟
 
ويجب على كل أسرة أن تعلم أن الألعاب الإلكترونية في الأجهزة المحمولة أو "البلايستيشن" لها مخاطر وسلبيات كبيرة مثلما لها إيجابيات بسيطة.
 
ولكن منعها وحرمان الأطفال منها ليس حلاً.. الحل في أربع خطوات: أولها أن نحدد أوقات اللعب بها؛ بما لا يؤثر على حياة الطفل، ونقنن الأوقات، ونستغل وقت فراغه بهوايات أخرى.. وثانيها أن نختار الألعاب المناسبة لعمر الطفل والشاب؛ بما لا يتعارض مع ديننا وثقافتنا، ويستلزم ذلك معرفة معاني رموز أشرطة الألعاب؛ فلكل شريط تصنيف يحدد العمر المناسب له، ومحتواه، والمشاهد التي فيه، وعدم السماح للطفل بتحميل أي لعبة على جهازه أو شراء شريط "بلايستيشن" إلا بعلم والديه.. وثالث الحلول أن يكون اللعب بالتشارك مع إخوة الطفل الكبار أو والده ووالدته، وفي مكان واضح غير منزوٍ.. ورابعها أن نمنع أي لعبة إلكترونية فيها اتصال بالإنترنت ولعب مع غرباء لا نعرفهم؛ فهي مدخل للانحراف الأخلاقي والسلوكي والتأثير عليهم، وكان من آخر ابتكارات "داعش" القبيحة الدخول على أبنائنا من هذا الباب.  
 
هذا على مستوى العائلة؛ أما على مستوى المؤسسات والجهات الحكومية والاجتماعية؛ فالحاجة ماسّة إلى أن نضع في محلات ألعاب "البلايستيشن" ملصقات لشرح تصنيفات ورموز الألعاب ومناسبتها، وإلزام المحلات بتعليقها؛ لأنه من تجربة خاصة أن الكثير من المحلات تسيطر عليها عمالة تبحث عن الربح المادي، وترفض ذلك، ولا تريد ما يؤثر على مبدئها الأول وهو بيع كل شيء لأي أحد. ونأمل أيضاً إلزامها بمنع بيع أي أشرطة لم تُصَنّف وغير خاضعة للتصنيف؛ وما أكثرها، بالإضافة إلى إلزام متاجر الهواتف والأجهزة بتصنيف الألعاب الموجودة بها جميعاً، ووضعها ضمن النطاق العمري المعروف في قائمة الضبط فيها.
 ويجب أن يشمل العمل برامج توعوية وتثقيفية للأسر، وتطبيقات إلكترونية تُسَهّل عملية التحقق من مناسبة أي لعبة لعمر الشاب أو الطفل. وحلم أخير في تفعيل ووجود مؤسسات إنتاج لألعاب الطفل تستقطبهم بألعاب وتطبيقات تُساهم في التخفيف من آثار الألعاب السلبية، وتنشر العلم والتعليم بالترفيه عن طريقها.
 
ومع هذه الجهود ستكون تأثيرات الألعاب الإلكترونية السلبية أقل وفوائدها أكثر؛ بشرط أن يتحول فكر العائلة إلى الوعي والإدراك؛ بدلاً من صبّ الاهتمام عليه تغذوياً وكمالياً بملابس وأناقة وألعاب وترفيه وشراء متطلبات زينة، لمقارنته بغيره، وإهمال تربيته وفكره وثقافته ونظامه، ووضعها في آخر أولويات العائلة.
 
ومع الأسف؛ ففي النهاية فإن قصة "نادر" السلبية التي ذكرناها في البداية هي الغالبية، وربما نجد قصة لغير "نادر"؛ ولكنها الأقلية الإيجابية.
 
والأمل في كل تربوي ومثقف ومطّلع وقارئ لهذا المقال أن يكون هو رسالة إيجابية داخل عائلته وفي محيطه.
 
حمى الله أبناءنا من كل مكروه، وأصلحهم، ورزقنا حُسن تربيتهم.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org