سعودي في الهند

سعودي في الهند
ذوبان الطبقة المتوسطة كارثة سياسية واقتصادية واجتماعية عندما تحل بأي بلد، وهي عبارة يعرف أهميتها من يتابع كبار المحللين الاقتصاديين في أمريكا؛ وذلك أن (الطبقة المتوسطة) في كل مجتمع هي الترمومتر الحقيقي لنماء واستقرار ذلك المجتمع، ومجرد اختلال الميزان لهذه الطبقة وتراجعها لخط الفقر - تماماً كما يحصل في السعودية - فإن هذا هو النذير العريان، وسيؤدي بكل تأكيد لانفلات أمني، وسرقات، ونهب، وتحوُّل البلد لنسخة أخرى من بعض دول أمريكا الجنوبية، حيث غنى فاحش لطبقة مترفة، لا تتجاوز ١٪، وفقر مدقع للأغلبية الساحقة. ولهذا تجد -مثلاً- الرئيس الأمريكي أوباما يركز في كل خططه الاقتصادية - كما في خطابه الأخير أمام الكونجرس - على مركزية الطبقة المتوسطة في كل مشاريعه وقراراته؛ وذلك أنها صمام الأمان للمجتمع الأمريكي، وهي القوة المحركة له.
عندما يتحسن مستوى الطبقة المتوسطة يتحسن مباشرة اقتصاد البلد، وعندما ينحدر وضعها يتدهور مباشرة اقتصاد البلد. خُذْ مثالاً: بناء على الدراسة الأخيرة لكتاب 10 Trillion Prize يتهيأ العالم لصعود مليار عائلة هندية وصينية لدخول الطبقة المتوسطة خلال السنوات العشر القادمة، وذلك يعني -مرة أخرى- اختلاف موازين عالمية كثيرة؛ ولهذا تجد أن دولة مثل الأردن أطلقت موقعاً سياحياً باللغتين الهندية والصينية، يستهدف هذه الفئة من السياح خلال السنوات القادمة.
الذي يحصل في السعودية أن الطبقة المتوسطة تتآكل وتذوب بسرعة، وهذا نذير عريان، وعلامة خطر قادم؛ لا بد للوطن من استشعاره وتداركه، وهو يهدد الوحدة الوطنية والصف الداخلي، وهو أخطر من حوثيي إيران؛ لأنه قد يشل حركة البلد بالكامل! الأشد ألماً أن الوصول للقاع يصعِّب كثيراً مهمة العودة للقمة مرة أخرى. موازين القوى والثراء تتغير في العالم بشكل مستمر. في عام 2001 كان هناك في الصين ملياردير واحد فقط مقابل 4 في الهند! العام الماضي 2013 أصبح هناك 115 مليارديراً بالصين، و55 في الهند. أضف هذا لمليار عائلة تلتحق بالطبقة المتوسطة في الدولتين؛ لتدرك مقدار الثورة التي يحدثها دخول هؤلاء لنادي الطبقة المتوسطة. معنى ذلك أن باستطاعتهم العيش في بيوت فارهة، والتمتع بكامل المستلزمات الحديثة، من آي باد حديث وشاشة سامسونج ضخمة تزين المنزل، وثلاجة إل جي.. ويعني كذلك قدرتهم على السفر خارج البلد للسياحة والتنزه. وفي زيارتي لمدينة نيويورك في صيف 2013 كانت منهاتن تغص بالسياح الصينيين بشكل مثير للتأمل. في الجانب الغربي من أمريكا مَنْ يتجول بسيارته على الخط السريع رقم 1 - وهو من أجمل الخطوط السريعة بالعالم؛ إذ يتاخم المحيط الهادي، ويربط مدينة لوس أنجلوس بالمدينة الساحرة سان فرانسيسكو - فإنه سيصعق من كثرة السياح الهنود على طول الطريق، ومن تدافعهم على (القولدن قيت)، وتحتار هل هذه هولوويد أم بولوويد؟ هل هذه سان فرانسيسكو أم مومباي؟ وسيزداد تأثيرهم وحضورهم على الساحة العالمية كثيراً في السنوات القادمة؛ إذ يتوقع أن يصل الناتج المحلي لكلتا الدولتين عام 2020 لما يزيد على 10 تريليونات دولار سنوياً!!!
لذلك (سواقك) الهندي الذي يعمل لديك الآن قد يأتي للسلام عليك بعد ٢٠ سنة؛ ليقدم لك عرضاً للقدوم للهند؛ لتعمل لديه سائقاً! والذين يظنون هذا بعيداً لديهم ذاكرة سريعة النسيان، وكيف ينسى الخليج مقولة أهله الشهيرة: (الهند هندك.. إذا قلّ ما عندك!)، وتعني إذا أصابك الفقر والعوز فتوجه للهند حيث مصدر الغنى والتجارة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org