الشامل.. نظام فاشل

الشامل.. نظام فاشل
لو كان الاختبار الشامل لدينا كما هو في أمريكا؛ لما تجرأتُ وطالبتُ بإلغائه؛ فمعنى الاختبار الشامل هناك يختلف تماماً عنه هنا, والأسلوب يختلف؛ فهناك يحدد للطالب التخصص الذي سيتخصص فيه، ثم يحدد له عدد من الكتب يقرؤها ويستوعبها ويتشرب فكرتها, ثم يختبر في تخصصه والكتب المحددة له؛ أما نحن فلا اعتبار لتخصصنا؛ حيث إنه من المفترض أن أمنح عدداً محدداً من الكتب في التخصص الذي اخترت, وأختبر فيه, وبهذه الطريقة نضمن أن الطالب قد استوعب تخصصه.
 
ثم  إن أمريكا نفسها أدركت عقم هذه الطريقة, وأدركت خلل الشامل، واتجهت للحكم على الطالب من خلال بحوثه المنشورة ونشاطه في تخصصه؛ بل إن من المتبع هناك إعفاء الطالب المشارك في مؤتمر علمي من اختبار الشامل, وقد سبقت أوروبا لهذا الإجراء فرفضت التعامل مع الاختبار الشامل أساساً واكتفت ببحوث محكّمة.
 
عندنا الوضع يختلف؛ حيث أعطونا قائمة موضوعات طويلة وعامة وبدون مراجع, وعلينا نحن أن نحتطب بليل ونجمع كل شيء, ونقرأ أي كتاب, بلا إرشاد ولا تحديد, ولقد جمعنا من المذكرات ما تعجز المكتبة عن استيعابه, ومكثنا نقرأ ونلخّص ونجتمع، وتركنا الأهل والأقارب, وانغمسنا في المذاكرة حاملين الهم تسعة أشهر.
 
فهل من العدل أن نُحرم من الدكتوراه بسبب اختبار الشامل؟ والذي لا تعمل به إلا الجامعات الأمريكية وبطريقة سهلة وسلسة ومقننة, وعناصر واضحة, وكتب محددة؛ بينما النظام الأوروبي لا يشترطه أصلاً؛ إذ يكفي أن ينجز الطالب بحثه ويجتاز الاختبارات المنهجية كي يُمنح الدكتوراه.
 
ثم ألا يكفي الإجراءات الطويلة التي مررنا بها للالتحاق ببرنامج الدكتوراه من (امتياز في الماجستير, مقابلة شخصية, اختبار قياس, اختبار تحريري, فصل منهجي مكوّن من ست مواد واجتيازها, وبحوث, وتكاليف, وحضور, ومشاركة، وتدريس...)، ألا يكفي كل هذا للثقة في قدرات الطالب وتأهله لمرحلة الدكتوراه؟!!
 
ثم إننا نستحق الاجتياز من غير شامل؛ وإلا لما اجتزنا مرحلة الماجستير أصلاً؟ بل إن كل متطلبات الدكتوراه أنهيناها تقريباً, أليست كل هذه شواهد على القدرة على الاجتياز؟ بل إن معظمنا شارك ببحوث وأوراق عمل في مؤتمرات.. أليست هي الأولى في المفاضلة والتقييم؟
ثم ما هي معايير قبول الطالب والتي يُحكم على الطالب من خلالها؟ ليس هناك معايير واضحة يقيّم الطالب على أساسها.
 
السؤال الأهم: هل يُنظر إلى تاريخ الطالب ومنجزاته؟ إن كان على التاريخ؛ فمعظم الدفعة لهم تاريخ مشرّف في العمل الصحفي, وقدّموا بحوثاً علمية في المؤتمرات, وفازت بعض بحوثهم على مستوى الجامعة.. مؤلم جداً أن تختزل سنوات بحثك وجهدك وتعبك في ساعات محدودة، مؤلم جداً أن يُحكم عليك بمقابلة شخصية مدتها عشر دقائق! وأسئلة عاجلة وأنت في جو متوتر ومشحون.. مؤلم أن يُنسى كل جهدك بسبب نسيانك معلومة لم تسعفك الذاكرة لاسترجاعها.
 
قالوا: "اتركي الحديث عن الشامل فهو إجراء مقرر على مستوى الجامعات ولن نستطيع إلغاءه, وأنا أقول: إننا لا بد أن نفكر في إلغائه كما فكرت جامعات أوروبا وبعض جامعات أمريكا، وها هي دول الخليج تحذو حذوهم والكويت خير مثال؛ إذن, ما المشكلة في طرح نقد للنظام الفاشل الظالم الذي قد يضيع مستقبل وحلم طالب بعد أن ضيّع جهده ووقته وراحته وسنة كاملة من عمره.. كم من ضحية لهذا النظام الفاشل؟ كم من مستحق كان الأول على الدفعة وحُرِم من الدكتوراه بسببه؟ كم من عقلية ذكية وعبقرية حُرمت لأنها لم تعتد على الحفظ الأصم؟ وأنا متفائلة كون وزارتنا حريصة على الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في الأنظمة التعليمية, ومن المستحيل أن تعيد تجربة الأنظمة التي أثبتت فشلها.
 
إن الاختبار الشامل صار مقصلة تُنحر عليها أحلام الدارسين في الدراسات العليا, الشامل لدينا اختبار أسيء استخدامه وبان خطره على مستقبل بعضنا, وضيّع وقتنا الثمين, وعمرنا وطاقتنا.
 
كلنا نستحق الاجتياز؛ فكلنا بذلنا الحماسة والجهد, كلنا من النخب المتميزة, ونحن أول دفعة "دكتوراه إعلام" في المملكة, كيف لا نُقبل جميعاً؟ والإعلام تخصص جديد وسيفتتح في كل الجامعات؟ بل إن الجامعات ستتعطش لتخصصنا, وستسعنا كلنا إن تخرجنا؛ بل وستحتاج الجامعات لعدد أكبر من الأساتذة في الإعلام؟
 
إن نظام اختبار الشامل يمنحنا فرصة ثانية وأخيرة, ولسوف تعِدنا الجامعة إما بإعادة الاختبار أو باختبار ثانٍ وأخير, والذي لن يكون إلا بعد سنة من الآن, وهذا ظلم آخر وتعب آخر وانتظار آخر؛ لذا نحن نناشدكم بإلغاء الشامل نهائياً, وإلغاء نتيجته, والاكتفاء بالمقررات المنهجية والأطروحة, وهو المنهج المتبع في أغلب جامعات العالم؛ خاصة وأن مطلوب الجامعة قد حصل وهو تحقق الاستفادة, ولقد استفدنا مما قرأنا واستوعبنا الكثير والكثير من الكتب والمراجع.
 
معالي وزير التعليم
لقد وضعنا أملنا في الله ثم في معاليكم, ونأمل منكم التجاوب مع معاناتنا والبت في الأمر سريعاً, ولن نعدم الخير من وزير يتبرع بوقته ودمه لأبناء وبنات هذا لوطن, وأملنا في أن تسعدنا بإلغاء الشامل من الجامعات؛ أسوة بجامعات أوروبا وبعض جامعات أمريكا وبعض دول الخليج, والاكتفاء بكل الاختبارات التي مررنا بها, واستبدال الاختبار بالمشاركة في مؤتمرات علمية.. كي نرتقي بالكفاءات العلمية الوطنية، ونعينها، ونساندها، ونثري ثرواتنا العلمية ورأس مالنا المعرفي.. والذي يتجسد فيهم وفي حماسهم ورغبتهم وحبهم للعلم والعمل.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org