محليات
بودرة سامة تداهم منازل "حقل تبوك".. والسبب "مصنع فوسفات أردني "
المستشفى العام استقبل عدة حالات اختناق.. والأهالي: نغّص علينا حياتنا
بدر الجبل- سبق- حقل: لم تعد العبارة الترحيبية التي وُضعت على مدخل محافظة حقل بوصف أنها مدينة صحية تدلّ على ذلك بعد أن أبدى أهالي المحافظة والموجودون في منفذ الدرة الحدودي تذمرهم، وسردوا لـ"سبق" معاناتهم الطويلة من مصنع الفوسفات الأردني الذي تصلهم روائحه الكريهة، وسببت لهم أضراراً صحية وبيئية جسيمة، وسط تجاهل المسؤولين لمناشداتهم.
وحرصت "سبق" على زيارة محافظة "حقل" ورصد معاناة الأهالي، بعدما أثار عدد من سكان المحافظة القضية عبر وسم تحت عنوان #حقل _يخنقها _الفوسفات، وظهرت خلاله صوراً لمادة سوداء في فناء منازلهم وعلى أسطحهم، فضلاً عن الأضرار الصحية التي تُلازم أطفال المحافظة وكبار السن.
الوصول للمحافظة
وصلنا الساعة الثامنة مساء الخميس لمحافظة حقل، وهي إحدى محافظات تبوك الساحلية، وتقع على بعد 220 كلم من مدينة تبوك، يربطها بتبوك طريق لم يكتمل ازدواجه، ويشكل خطورة بالغة لزوار المحافظة؛ لكونه مساراً واحداً بمنعطفات خطيرة جداً.. كان هدفنا رصد معاناة الأهالي والاستماع إليهم عن معاناتهم من مصنع الفوسفات الأردني، والذي يقع في "محافظة العقبة الأردنية" التي تبعد عدة كليومترات من محافظة حقل.
على مدخل المحافظة هناك لوحة ترحيبية كتب فيها "مدينة حقل الصحية ترحب بكم" وهي العبارة التي اعترض عليها الأهالي؛ لكونها لا تتوافق مع الواقع الذي يعيشونه.
مستشفى حقل العام
فور وصولنا توجهنا لمستشفى حقل العام وأمام عيادة الطبيب المناوب وجدنا العديد من المواطنين، واستطعنا الحديث مع أحدهم؛ لسؤاله عن مصنع الفوسفات الأردني، وعن أضراره فأبدى تذمراً وخيبة أمل، وقال إنه لا جدوى من الحضور؛ لأن المسؤولين لن يتحدثوا عن معاناة الأهالي، إلا أنه أرشدنا لأحد سكان حقل كان منوماً في مستشفى المحافظة قبل أيام قليلة؛ بسبب أدخنة المصنع والروائح الكريهة.
"أحمد بابكير" هو المواطن المنوم جراء معاناته من ضيق تنفس، وتحدث عن حالته قائلاً: "في يوم الثلاثاء الماضي ارتفعت نسبة العوادم التي تشبه الكبريت أو الغاز، إضافة إلى بودرة سوداء تدخل إلى المنازل وكانت حديث المجالس، ومع ارتفاع نسبة تلك الأدخنة السامة شعرت بضيق تنفس ونوّمت في مستشفى حقل العام، وتم إعطائي ثلاث جرعات أكسجين، كما حضر طفل لذات السبب وفي نفس الوقت، وتم إعطاؤه جرعة أكسجين واحدة".
وأضاف: نحن في محافظة حقل نعاني من عوادم مصنع الفوسفات، ويصلنا نتيجة ذلك بودرة سوداء تُرى بالعين المجردة في فناء المنازل وفوق الأسطح، بالإضافة إلى الروائح القوية التي تشبه الكبريت أو الغاز المؤثرة على الصحة العامة.
استياء مع عدم إعطاء تقارير طبية
يؤكد معظم أهالي محافظة حقل لـ"سبق" رفض مستشفى حقل العام إعطاءهم تقارير طبية نتيجة مراجعتهم المستشفى للعلاج من ضيق التنفس الناتج عن المصنع.
ويقول شيخ شمل قبيلة العمران الشيخ محمد بن مقبول العمراني لـ"سبق" إن محافظة حقل تختنق من أدخنة المصنع، وقد ألحقت أضراراً صحية بالسكان، فضلاً عن وصول البودرة السوداء للمنازل.
وتابع: "مستشفى حقل العام لا يعطي تقارير طبية لحالات الاختناق التي تصلهم دون أن نعرف سبب ذلك، وقد وصل للمستشفى العديد من حالات الاختناق، الأمر الذي يوجب على المسؤولين التفاهم مع الجهات المعنية لوقف هذا التلوث، وهي مناشدة لكل المسؤولين للوقوف مع أهالي المحافظة والعمل على إنقاذهم من هذا التلوث".
زيارات منازل المواطنين
توجّهنا، صباح يوم الجمعة، لمنزل عمدة محافظة حقل خالد الشمسان، وقال: "وصلت البودرة سوداء من مصنع الفوسفات الأردني إلى كل منزل من منازل المحافظة، وقد استطعت جمع جزء منها في علبة صغيرة، وقد شكّلت الروائح التي تنتج من هذا المصنع أذى صحي بأهالي المحافظة، وألحقت الضرر خلال الفترة الماضية وما زالت مصدر تلوث لأجواء المحافظة".
حكاية مصنع الفوسفات
من جانبه، يقول عضو مجلس منطقة تبوك سابقاً عامر السنوسي: "يشتكي المواطنون في منفذ الدرة الحدودي وفي مدينة حقل الساحلية من الأضرار التي لحقت بهم من آثار التلوث الناتج من مصنع الأسمدة الأردني الكائن في الأراضي الأردنية، وينتج منه مادة الفوسفات سماد اليوريا ويصدر عن طريق البحر للخارج.
وتابع: "أُسّس هذا المصنع عام 1410هــ ومنذ تأسيسه يصدر منه رذاذ وغبار ينبعث في أجواء المصنع والمنطقة المحيطة به، وتشمل جزءاً من الأراضي الأردنية ومعظمه تجاه الأراضي السعودية المجاورة للمصنع، ومنذ أربع سنوات أقيم بجوار مصنع الأسمدة المذكور مصنع آخر لمعالجة مادة البوتاس الذي ينتج منه سماد آخر، وبذلك زادت نسبة التلوث في أجواء منطقة الدرة خاصة ومدينة حقل، حيث تصدر منه مادة أيضاً تسببت في ضيق التنفس لمعظم سكان مدينة حقل، وتتساقط على الأرض المنطقة مادة سوداء كمسحوق الفحم.
وأضاف "السنوسي": "مع أن اتجاه الرياح في هذه المنطقة يأتي من جهة الشمال في معظم أيام السنة، إلا أن التلوث يتجه نحو الجنوب، أي إلى منطقة الدرة السعودية، ثم إلى مدينة حقل، ويزداد تأثيره عندما تتوقف شدة الرياح، فتتشبع أجواء المنطقة بالتلوث الشديد، حيث يشاهد كسحابة أو ضباب اختناق للذين يعانون من ضعف التنفس أو من الربو أو الأطفال، وقد أحليت عدة حالات اختناق لمستشفى حقل للعلاج في تلك الفترات".
وأردف: "عرض هذا التلوث على المسؤولين في حماية البيئة بالمملكة، حيث زار فريق منهم المنطقة، وشاهدوا الوضع على الطبيعة، إلا أنه لم يتم أي إجراء ملموس؛ لمنع هذا التلوث بالمنطقة لحماية صحة المواطنين بها، ولا يزال الأمل بالله ثم بالمسؤولين في الهيئة لاتخاذ ما يلزم".
شكاوى دون فائدة
وزوّد كل من عطاالله محمد العمراني ومقبل حسين العمراني "سبق" بخطاب تم تقديمه لمحافظ محافظة حقل يحمل توقيع عدة مواطنين، وقالا: "تقدمنا مجموعة من أهالي المحافظة خطاباً قبل مدة قصيرة لمحافظ حقل، شرحنا فيه معاناتنا من روائح مصنع الأسمدة والكيماويات التي أدخلت العديد من السكان إلى المستشفى، بعد أن تسبب لهم في أضرار صحية من ضيق التنفس وحساسية العيون وغيرها من الأمراض، وناشدنا إنقاذ المحافظة من خطر هذا المصنع الذي نمسي ونصبح على روائحه الكريهة وآثارها السلبية".
وأضافا: "تقدمنا في خطابات سابقة، ولكن لم يصل لنا أي تجاوب عن تلك الشكاوى، ولا نعرف مصيرها، كما أن الجهات الصحية لم تقُم بأي نشرة توعوية أو إرشادات عن مدى خطورة هذه المواد التي تصل للمنازل".
"سبق" تنقل مناشدة الأهالي للجهات المعنية لاتخاذ كل الإجراءات؛ لإنهاء معاناتهم والوقوف معهم، في ظل استمرار المأساة دون وجود أي أفق بحل قريب لها.