"سبق" توثق و"نزاهة" تتفرج

"سبق" توثق و"نزاهة" تتفرج
تم النشر في
لا أعتقد أن هناك غيوراً يمكن أن يطلع على ما نشرته "سبق" بتاريخ 22/ 11/ 1435هـ بعنوان (تقرير لـ"سبق" يوثق تعثر المشاريع في عدد من المدارس بإدارة تعليم شقراء.. بالصور.. رياضة الابتدائي بالممرات.. و"الثانوي" ممنوعون منذ سنوات) إلا ويصاب بحالة من الإحباط والقشعريرة، لفداحة ما تضمنه الخبر من مخالفات فادحة، ما أنزل الله بها من سلطان، وبمبررات لا يمكن قبولها أو حتى الاستماع لها.
 
وقد جاء في ثنايا الخبر أن المشاريع المتعثرة في مدارس محافظة شقراء اضطرت أطفال ابتدائية عثمان بن عفان للعب في ممرات مدرسة (تحفيظ القرآن) الخلفية في مساحة ضيقة ومحصورة في ارتداد المبنى بين سور المدرسة ومبناها، فيما تسبب تأخر إكمال مبنى ابتدائية أشيقر للبنات لأكثر من أربع سنوات في معاناة الطالبات وأولياء أمورهن طيلة تلك الفترة، كما تسبب تعثر تنفيذ مبنى ابتدائية ثرمداء في تذمر عدد من الأهالي.
 
وما دعاني للكتابة العاجلة لهذا المقال الذي أحتج فيه وأشجب صمت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن خبر مثل هذا، وتجاهلها التعقيب عليه من قِبل متحدثها الرسمي إن وُجد، ووعدها بالتحقيق في الموضوع كونها تضم إدارة خاصة لمتابعة المشاريع الحكومية، ولا أعتقد أن مأساة كهذه لا تدخل ضمن اختصاصات الهيئة. 
 
ولن أخوض كثيراً فيما ورد من معاناة الأهالي؛ فالخبر يشرح نفسه، والمعاناة ليست بحاجة إلى دليل؛ فالصورة المصاحبة للخبر تعبِّر عن نفسها وعن ألف كلمة يمكن أن تُقال في هذا السياق، لكن السؤال المزمن: إلى متى سنظل نندب حظنا مع بداية كل عام دراسي، ونذرف الدمع، في الوقت الذي أعلن فيه المسؤولون في وزارة التربية والتعليم جاهزية المدارس لاستقبال الطلبة، وتوافر المناهج بشكل كافٍ، وكثيراً من التصاريح التي لو حُلل مضمونها في حينه لخرجنا بنتائج تفيد بأن لدينا مدارس تفيض عن الحاجة، وتغطي لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ولكن نُفاجَأ بأن الواقع غير ذلك.
 
سؤالي الدقيق: ألا تضم وزارة التربية والتعليم إدارة هندسية؟ إذا كان الجواب بنعم فما هي وظيفتها إذن؟
 
إن مدارسنا الأهلية والحكومية تعاني الكثير والكثير، وفيها من النواقص ما يجعل العملية التعليمية مهمة شاقة على المدرس والطالب، وربما مر اليوم الدراسي ثقيلاً بسبب الكثير من المنغصات؛ فمدارسنا تعاني عدم توافر مياه صالحة للشرب، وما هو متاح للطلبة من الجنسين عبارة عن برادات بدائية الصنع.. وللأسف، الفلتر المركَّب عليها يتغير لونه في غضون ساعات من تركيبه لعدم كفاءته. والبديل هو النظام الجديد لفلترة الماء على مراحل عدة، أو تأمين ثلاجات توضع بالقرب من الفصول الدراسية، وتغذَّى بعبوات الماء النقي؛ لتكون رهن إشارة الطالب أو الطالبة في أي وقت. وأركز هنا على أهمية أن يكون هناك مشروع وطني لتوفير مياه شرب نقية لأبنائنا وبناتنا؛ ذلك أن سلامة الماء تقود - بإذن الله - إلى سلامة الكلى لأجيال المستقبل. ويكفينا الأعداد الكبيرة التي تعاني الفشل الكلوي، وصعوبة توفير أجهزة غسيل لكل محتاج لها؛ وما ذلك إلا بسبب الماء، بوصفه متسبباً أول في أمراض الكلى.
 
ومدارسنا تكاد تخلو من معامل مهيأة للحاسب الآلي؛ فما هو متوافر على استحياء. ويكفي أن بعض المدارس تلجأ إلى توظيف متعاون أو متعاونة لتدريس الحاسب، فلماذا لا يكون هناك توجُّه رسمي بأن تُجهَّز المدارس بمعامل متكاملة، بما في ذلك مدرسون متخصصون في هذا المجال؛ لكي تتحقق الفائدة المرجوة؟
 
وإذا سألت أين يتناول أبناؤنا وبناتنا إفطارهم في وقت الراحة لجاءتك الإجابة المخيبة للآمال: "في الحوش"، وهم واقفون طبعاً. ولا أدري لماذا لا يكون هناك مطعم مجهز بأعلى المقاييس والأثاث، لتقديم الوجبات في كل مدرسة؟ وحتى لا يكون هناك تزاحم يمكن تخصيص فترتين لموعد الفسحة، بحيث لا تقل الفترة عن نصف ساعة؛ حتى يتمكن الأبناء من تناول وجبتهم المستحقة بكل راحة واطمئنان، وعلى أن تكون الوجبات بأسعار رمزية، تدفع من قِبل أولياء الأمور مع بداية كل فصل دراسي. ويجب أن يُقدّم الحليب والعصائر بشكل متنوع كعنصر أساس.
 
 وربما عانت الكثير من المدارس مشكلتين مزمنتين، هما التكييف ودورات المياه. فعلى الرغم من أنهما من أكثر الأمور حساسية إلا أننا نجد التساهل فيهما في كثير من المدارس، وبشكل ملحوظ. فكما هو معروف، فإننا نعاني طول موسم الحر؛ وهذا يتطلب استعداداً كاملاً للتخفيف من حدته من خلال توفير أجهزة تكييف تعمل لمدة لا تقل عن ثماني ساعات بكل كفاءة واقتدار، لكن – للأسف - الكثير من المدارس تعاني تعطل كثير من أجهزة التكييف، أو قصوراً في عملها؛ وهو ما يفاقم من حجم المعاناة للطلاب والطالبات، بل يعيق عملية التعلم، ويشكّل عبئاً على المدرس، هو في غنى عنه. أما دورات المياه فحدِّث ولا حرج.
 
ويراودني سؤال منذ أن كنت على مقاعد الدراسة، وأحب أن أشارككم فيه بحثاً عن إجابة له، هو: لماذا تصر وزارة التربية والتعليم، ممثلة بالإدارة الهندسية والإدارات الأخرى المعنية، على الاستمرار في التصميم التقليدي لمدارس البنين والبنات، على ما فيه من كآبة؟ وصدقوني أنني أعني ما أقول. لماذا لا يُصار إلى تصميم البناء المدرسي كما هو الحال في الأسواق الكبيرة؛ لتكون مواقف السيارات للمدرسين والإداريين تحت المبنى، وبنظام أمن وحراسة؛ لنحميها من التعديات من قِبل الطلبة التي تطالعنا بها الصحف يومياً؟ وتعمل بنظام تكييف مركزي، ومن ثم يكون الفناء المدرسي بالداخل، وتُقسّم الفصول بشكل جميل وجذاب، بما يضفي على نفسيات الطلبة الكثير من الراحة والانسجام.. ويُعمد إلى إنشاء صالة ألعاب وملعب كرة قدم، وما يستجد من أنشطة، ويُهيَّأ استديو مناسب للرسم، ومطعم مجهز بالكامل، وتوفير دورات مياه مجهزة بكل وسائل الراحة، وتخصيص دورات لذوي الاحتياجات الخاصة؛ لتكون المدرسة بيئة خصبة وجاذبة للطالب أو الطالبة؟.. ومن المؤسف أن أجيالاً متعاقبة حُرمت من الوسائل التعليمية، كأجهزة عرض الشرائح والصور الموجبة، وأجهزة العرض الرأسية، وأجهزة السينما التعليمية.. وكلها نتيجة قصور في العمل في بعض الإدارات المعنية بهذا الأمر. وهذه الحرمان استمر بعدم توافر أجهزة الحاسب الآلي والأجهزة الكفية كمساعد مهم في العملية التعليمية؛ وهو من أسباب نفور الطالب أو الطالبة من المنهج وعدم استيعابه بالشكل الصحيح.
 
وأنا أعلم أن ما ذكرتُ ما هو إلا غيض من فيض، وهناك الكثير مما ينبغي عمله، ولا بد أن نستفيد من تجربة من سبقونا من الدول المتقدمة، في التصميم والاختيار. 
 
وأشكر لـ"سبق" قيامها بجولة على بعض المشاريع المتعثرة والمتأخرة في مدارس التربية والتعليم بشقراء، ورصدها بالصور تلك المشاريع، ونقلها معاناة الطلاب والطالبات وأولياء أمورهم منها. والله أسأل أن يشجع ما قامت به "سبق" "نزاهة" على القيام بواجبها في هذه الصدد، وألا تقتصر الجولات من قِبل نزاهة على منطقة بعينها؛ فالسعودية دولة مترامية الأطراف، وهناك قرى بكاملها لا توجد بها مدارس، وبعضها مهدد بالسقوط، وبعضها بحاجة ماسة لأعمال ترميم مند سنين.
 
وأتوجه في الختام لصاحب السمو الملكي وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل، بما يملك من إحساس وحسن إدارة، أن يطلب تحقيقاً فيما ذكرت، والوقوف شخصياً على متطلبات المدارس، وتوفير أقصى درجات الاستعداد، ومحاسبة المقصّر بكل حزم وإنصاف، ومكافأة المجتهد والإعلاء من شأنه، والنهوض بالحركة التعليمية نهضة شاملة.. وأعلم مدى طموح سموه في الرقي بالتعليم كمًّا ونوعاً، وأرجو الله أن يوفقه، ويسدد خطاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org