السلام

السلام
السلام قصة خالدة وأمنية دائمة وحاجة قائمة ورسالة سامية. بدأت مع الخليقة منذ البداية، قال عليه الصلاة والسلام "خلق الله آدمَ على صورتِه، طوله ستونَ ذراعاً، فلما خلقه قال: اذهبْ فسلِّمْ على أولئكَ، نفرٍ من الملائكةِ، جلوسٍ، فاستمعْ ما يحيّونك، فإنها تحيتك وتحيَّة ذريتِك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة اللهِ، فزادوه: ورحمة اللهِ".
 
السلام تحيتك التي تحيا بها وعليها، وتحيا بها ذريتك، وبدونها لا يمكن أن يكون للحياة طعم أو معنى، تحيتك التي تحيا لها وتتحايا بها، لتكون هذه التحية تذكيراً بأهمية السلام وحاجتنا الماسة له ودوره المهم في حياتنا، لقد اختار أهل الإسلام السلام منهجاً في حياتهم واتبعوا فيه أمر الله واهتدوا بهداه الذي ﴿يهدي به من اتبع رضوانه سبل السلام ﴾.
 
كل هذا السلام لأن الله هو السلام ومنه السلام كما علمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن نقول في دبر كل صلاة، فالصلاة تساهم في نشر السلام، فبها تسلم الأروح وتتهذّب النفوس وتتنقّى الجوارح، بل وقبل أن نخرج منها نقول كما علمنا عليه الصلاة والسلام: "السلام عليكَ أيّها النبيّ ورحمة اللهِ وبركاته، السلام علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحِينَ".
 
"السلام عليكَ أيّها النبيّ ورحمة اللهِ وبركاته" فلا يسعنا في ختام صلاتنا إلا أن نسلّم على نبينا لسلامته في نفسه من كل نقص، ونسلّم عليه للسلام الذي بثه في نفوسنا ومجتمعاتنا، نعم أنت تستحق من جميع أتباعك السلام فقد كنت سلاماً في نفسك وسلاماً في قولك وسلاماً في هديك وسلاماً في أخلاقك، وسلاماً لمن حولك وسلاماً لمن تبعك، ولا يسلم من خالفك أو زهد في سنتك أو أعرض عن شريعتك، ولا يسلم من لم يساهم في نشر السلام الذي جئت به والمحافظة عليه والدفاع عنه.
 
السلام عليك بقدر حبك للسلام وكرهك للحرب والفتنة والخصام، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكره كلمة حرب ولا يحب أن يسمعها وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "أَحَب الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ: ‏عَبْد اللَّهِ ‏وَعَبْد الرَّحْمَنِ، ‏وَأَصْدَقهَا: ‏حَارِثٌ ‏وَهَمَّامٌ، ‏وَأَقْبَحهَا: حَرْبٌ وَمرَّة".
 
ثم نقول في الصلاة "السلام علينا" نسلم على أنفسنا مبتهلين إلى ربنا في ختام طاعتنا أن يسلّمنا من مغبة أخطائنا وأن يحفظنا من سيء تصرفاتنا وأن يطهر قلوبنا بقربنا منه، ويرزقنا التصالح مع أنفسنا والقبول بما وهبنا وما ابتلانا به، وعدّ جميع ذلك من عظيم نعمه علينا.
 
وإذا كنا متصالحين مع أنفسنا نعيش سلاماً داخلياً دائماً بسبب اتصالنا بربنا، فمن الطبيعي أن نساهم في نشر السلام في العالمين، ونبشر به وندعو لكل من صلحت أحواله بالسلامة الدائمة، و نكرّر هذا في كل صلاة، "السلام علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحِينَ، فإنه إذا قال ذلك أصاب كلَّ عبدٍ صالحٍ في السماءِ والأرضِ" فلا نفرغ من صلاتنا حتى نبث السلام برجائنا في العالم كله. ثم نخرج منها بالسلام ولا يسعنا إلا أن نقول بمجرد خروجنا منها: " اللهمَّ أنت السلام ومنك السلام. تباركت يا ذا الجلالِ والإكرامِ ".[م: 592].
 
ففي الصلاة نتصل بالسلام ونكسب السلام ونستمد منه السلام ونقدس فيه السلام ونساهم في نشر السلام. نعم إنه السلام سبحانه فكل سلامة منشأها منه وتمامها عليه ونسبتها إليه.
 
وهكذا العبادات في الإسلام بما فيها من تذكرة دائمة للإنسان بخالقه السلام ولما فيها من تدريب على ضبط النفس وقمع الأهواء، تهذّب النفس البشرية وتجعل الإنسان في سلام داخلي مع نفسه ومع خالقه ومع الكون المحيط به، وتجعله في سلام مع غيره من الناس.
 
بل نحن أمة متعبدة بنشر السلام وإفشائه ليس باللفظ فقط بل بالمعنى والحقيقة، نشره بنشر أسبابه والتزام رسالته، نشره بالإيمان بأهميته وأنه جزء من هوية المسلم وشخصيته، وقد أمرنا بالسلام على من عرفنا وعلى من لم نعرف، وسلامنا عنوان استعدادنا للتعايش بسلام.
 
إنّ السلام الذي نتبادله رسالة حب وعربون مودة، لذا قال عليه الصلاة والسلام في تأكيد رسالة السلام: "والذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلّكم على أمرٍ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلامَ بينَكم "
 
ان السلام والإسلام يرجعان لأصل واحد ويشتركان في كثير من الدلالات على اتساعها وجمالها وجلالها، ولا يمكن أن ينفكان أبدا. فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فهو مسالم وناشر للسلام، يأمنه من حوله ويأمنون بوجوده، فلا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه.
 
فالمحافظة على السلم الاجتماعي ونشر السلام في المجتمع من أوجب الواجبات التي لا صلاح لدنيا الناس ودينهم إلا بها، وكل بيت يعيش بسلام فهو لبنة في مجتمع مسلم مسالم سالم، وكل تكدير لصفو المجتمع أو تعكير لصفائه بالقول كالإشاعة والنميمة وإثارة النعرات والتعصبات، أو الفعل كالظلم والاعتداء على حقوق الغير أو العبث في المصالح العامة وتهديد أمن الناس جرائم وعظائم لا تليق بمن آمن بالسلام سبحانه
 
وقد أمرنا بالكف عمن عاملنا وتواصل معنا من خلاله، وحسن الظن به حتى يثبت لنا خلاف ذلك، فهي عقد والتزام وقبولها واجب مثل ردها مع الأصدقاء والأعداء:﴿ وَلَا تَقولوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكم السَّلَامَ لَسْتَ مؤْمِناً تَبْتَغونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا ﴾.
 
حتى مع غير المسلمين فالأصل في العلاقة معهم السلم، وتقديم السلام على الحرب، واختيار التفاهم على التخاصم، وفي معظم أحواله صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن الطرق السلمية للتعامل مع المخالفين له سواء كان يعيش بينهم كما في مكة أو في بلدة مستقلة عنهم، أما العيش معهم فهي سنة جميع الأنبياء والرسل مهما بلغ انحراف قومهم وعدائهم للدين وأهله لم يكن الأنبياء وأتباعهم أبداً ولن يكونوا ما صدقوا مصدراً لتهديد الأمن والسلام داخل مجتمعاتهم بل أمروا بالصبر والعفو والصفح والنصح، أما إذا انفصلوا عنهم فقد كان عليه الصلاة والسلام يحرص على تجنب الحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، يفعل ذلك استجابة لأمر الله: ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخليل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون، وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله وهو السميع العليم ﴾ فالحرب عندنا ليست غاية بل هي وسيلة لغاية والسلام عندنا غاية لتحقيق غايات أسمى، إنّ الآية تقرر ما توصل له السياسيون، من أن أفضل وسائل السلم الاستعداد الدائم للحرب، وكان عليه الصلاة والسلام يخطب في أصحابه قبل بدء المعركة: أيها الناس، لا تتمنوا لقاءَ العدوِّ، وسلوا اللهَ العافيةَ، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنةَ تحتَ ظلالَ السيوفِ.[خ]. فلا حرب بدون خسائر ولا سلام بدون مكاسب.
 
فالذين اهتدوا بهذه الهدايات واستناروا بهذه الدلالات لاسمه السلام ﴿ لهم دار السلام عند ربهم ﴾يتنعمون بها سالمين فيها من كل آفة أو كدر أو نقص. ﴿ يوم لا ينفع مال لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org