حزب الله والحمل الكاذب

حزب الله والحمل الكاذب

بعد الحرب التي قامت بها إسرائيل على لبنان عقب قيام حزب الله بخطف جنديَّين إسرائيليَّين في ١٢ تموز ٢٠٠٦، وما أصاب لبنان من دمار وهلاك يومئذ، قام إعلام حزب الله وبعض المتوهمين بالنصر يضخمون إنجاز الحزب وحسن نصر الله، وقيل عن تلك المواجهة ما لم يقله أبو تمام في فتح عمورية، وقال الشعراء وغيرهم في حسن نصر الله ما لم يقله الشعراء يومئذ في المعتصم بالله!!
 
فأصاب الحزب وأمينه الغرور، وأصبحوا يَرَوْن أنفسهم القطب الآخر الموازي لأمريكا، بل زعموا أنهم أعيوا بقوتهم وصمودهم أمريكا وإسرائيل ومن ساندهما من الشرق والغرب.
 
والمضحك المبكي أن بعض العرب صدق الكذبة الكبرى، وكنت أنا ممن كان يتابع تلك الخطب الرنانة لأمين حزب الله، وبعد قياس المكاسب والخسائر اتضح لي ولكل من حكم عقله لا عاطفته أن حزب الله أساء للبنان أكثر مما أساء لإسرائيل، وأن الحزب هو المستفيد الوحيد، ولكن على حساب دولة لبنان وشعبها وتنميتها؛ إذ قصفت إسرائيل محطات الكهرباء، والمطار، والكباري، والمجمعات السكنية، والبنى التحتية، وهجّرت المواطنين، وعند إعادة ما هدمته الحرب التي تسبب فيها حزب الله قامت إيران بالمساعدة في بناء الضاحية الغربية فقط، وتركت باقي لبنان يتحمل الشعب جريرة اتباع طهران، في تكريس للطائفية التي غرست بذورها الخبيثة مع بداية عهد الخميني.
 
ومنذ انتهاء تلك المواجهة القصيرة إذا بحزب الله وأمينه العام حسن نصر الله يَرَوْن أنفسهم فوق الدولة اللبنانية ونظامها، وأن باقي الشعب اللبناني أتباع لا قيمة لهم؛ فتطاولوا على الرئاسة وعطلوها، وأعلن الأمين العام للحزب أن ولاءه لإيران ومرشد ثورتها دون وجلٍ أو خجل أن يُتَّهم بخيانة الوطن الذي يدعي أنه منه، بل يعترف بكل صفاقة وجه بأنه يتلقى دعماً مالياً وعسكرياً من إيران من خلف الحكومة الشرعية بلبنان، ودون الحاجة لأخذ إذنها، أو حتى إبلاغها. وقد ذهبت الحماقة بأمين حزب الله أن تدخل في الحرب بسوريا، وأرسل مرتزقته إلى عرسال والقلمون وريف دمشق وغيرها من بلاد الشام، وكأنه قوة دولية لديها القدرة على قلب الموازين، وتغيير مسار الحروب، دون أخذ موافقة الحكومة اللبنانية، أو إشعارها.
 
إن إسرائيل بخبثها ومكرها قد غرست في حزب الله وفي وجدان أمينها الغرور، وصوَّره الإعلام الإسرائيلي الموجَّه أنه في عداد الأبطال الذين أعيوا إسرائيل، وكسروها؛ فأكل حسن نصر الله الطعم الإسرائيلي، وبدأ يتدخل في أكثر من بلد عربي، إما بالتدخل المباشر كما في سوريا، أو بتدريب وتحريض للمأجورين على الشغب والتخريب، كما حصل أخيراً مع خلايا الأشتر التي تم كشفها وإبطال مخططها بالبحرين، ومثلما هو حاصل مع اليمن الذي ابتُلي بفكر الحوثيين وتسلطهم.
 
إن الذين هللوا لحزب الله بعد حربه مع الإسرائيليين عامَيْ ٢٠٠٠ و٢٠٠٦م إنما كانوا يبحثون عن شيء من رائحة النصر، ولو لم يكن حقيقياً؛ فقد خذلتهم نتائج الحروب السابقة؛ فأصبحوا يائسين، وكان المتفائلون بنصر حزب الله كالمرأة العاقر، التي تفرح أن بدا لها شيء من أعراض الحمل ولو كان كاذباً؛ فالعيش في الوهم ولو لأسابيع معدودة خير من اليأس الطويل، رغم أن النتيجة واحدة في نهاية المطاف، وهو حمل كاذب، لا ينتج "خلفة"، ولا يبعث سروراً حقيقياً.
 
 لقد كان تدخل حزب الله وإعلامه في الشأن اليمني والخطب المتتابعة لحسن نصر الله هي من نتاج ذلك الطعم الذي سقته إسرائيل وإعلامها للحزب وأمينه العام؛ فطفا كما يطفو الزبد الذي لا ينفع الناس، وحلّق نحو النار في سوريا كما يحلّق الفراش؛ ليطفئ اللهب بجناحه الواهي، فأصبح بعض وقودها.
 
إن الأحداث الأخيرة قد أرجعت حزب الله وأمينه العام إلى حجمهم الطبيعي؛ فأخذوا يجمعون قتلاهم من جرود القلمون وأطراف عرسال وريف حلب والقنيطرة، ثم خابت مساعيهم الباطلة وخططهم الفاشلة هم وأسيادهم بطهران مع مرتزقة اليمن، حينما رأوا عاصفة الحزم وقد أتت على كل الذي جمعوه فجعلته كالرميم، وستبدي لنا الأيام كم هي ضعيفة هذه الشجرة الخبيثة؛ فما لها من قرار؛ إذ تشرب من ماء الحقد الطائفي البغيض، وترتوي من مجاري الفتنة الآسنة.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org