مَنْ يَرْبَحُ التحذير؟!!

 مَنْ يَرْبَحُ التحذير؟!!
تم النشر في
 تحضرني حكاية تاجر أغلق متجره بإحكام، وراح يخفي مفاتيحه تحت العتبة! على مرأى ومسمع الناس من حوله! ولم يفُتْه تذكيرهم بأن المال محفوظ بالخزانة! وراح يحذر من عاقبة وخيمة تنتظر من قد تسوّل له نفسه بالسرقة! فكأنما ذكَّر ـ بسذاجة ـ اللصوص بما لم يخطر لهم ببال! وفعل كمن ذكّر اليتيم بالبكاء!
حكاية من "ألف ليلة وليلة" أدلف منها إلى واقع يومنا والليلة والتحذيرات (المريبة) التي تصدرها جهات رسمية بين الفينة والأخرى، محذرة من أضرار تناول مشروب شهير، أو دواء متداول، أو سلعة مزدهر سوقها! مرة بداعي عدم مطابقتها للمعايير، وأخرى بسبب أعراضها الجانبية، وأخرى لأسباب أخرى يعلمها المعنيون فقط! وكم طالت التحذيرات العديد من السلع ومن أشياء أخرى متوافرة بأسواقنا المحلية! غير أن ما يترتب على تلك التحذيرات من قلاقل ومداولات وإثارة لدى أطياف وشرائح مجتمعنا المستهلِك كافة، بحكم التنشئة والثقافة والتكوين! لا يخرج عن نتائج "عكسية" تجسدها حالة إقبال غير مسبوقة من المواطنين على تلك السلع موضع التحذيرات! وهذا أمر متوقع ولا يستغرب من الإنسان المجبول على حب الاستطلاع، والمفطور على الشغف بكل ما يمنع منه، وما ينهى عنه، بل التطلع للأبعد مما هو متاح وفي متناول اليد!
عديدة هي الجهات التي تطلق التحذيرات من حين لآخر، من سلعة وأخرى، أذكر منها على سبيل المثال: لجنة الغذاء والدواء، لجنة مراقبة السواق والغش التجاري، أفرع وزارة التجارة، أمانات وبلديات المناطق والمحافظات وجهات أخرى قد يصعب حصرها أو توقعها! ومع كل ذلك الحرص (العلني) على صحة وسلامة المواطن والمستهلك تستمر السلع معروضة علناً للبيع، ومتاحة، وفي متناول اليد! دون أدنى تدخل لإزالة الضرر من جذوره! بل قبل كل هذه الدوامة أجد من الإنصاف أن تُسأل الجهات المعنية عن دور المختبرات وهيئة المواصفات والمقاييس في تحديد المناسب للاستيراد، وما يجب حظر استيراده من المصدر وبلد المنشأ! بدلاً من اجتهادات محفوفة بمصادفات ومخاطر، يدفع المواطن أثمانها من صحته وحياته، ويقبض التاجر (المستورد) عائداتها والأرباح، ولا يُسأل عن الخاسرين وحجم الخسائر!
وما لم تُفعَّل آليات تطبيق المواصفات والمعايير المعتمدة عالمياً ومحلياً على كل ما يدخل الأراضي السعودية عبر منافذها المختلفة، من سلع وبضائع مستوردة، والتعامل معها بجدية وحسم قبل نزولها الأسواق وتمكين المستهلك منها، فإن تحذيرات الجهات المعنية مجتمعة لن تخرج في جدواها وأهميتها عن تحذيرات شاه بندر تجار زمن ألف ليلة وليلة، وقد تستمر بالسذاجة ذاتها التي قد يستثمرها أكثر من "علي بابا"! وأكثر من 40 انتهازياً وعابثاً.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org