وزير الصحة.. ورياح التطوير (3 من 3)

وزير الصحة.. ورياح التطوير (3 من 3)

تم النشر في
تحدثت في مقالي السابق عن أهمية تطوير تعزيز الصحة والصحة العامة بالوزارة، وأن ذلك يُعد عملاً جوهرياً للتنمية الصحية بالسعودية.
 
ولعلي أركز هنا على بُعد آخر من استراتيجيات تعزيز الصحة، يتمثل في رفع الوعي الصحي وتقديم التوعية الصحية بمنظور منهجي؛ فالأمر برمته بحاجة إلى نظرة فاحصة ومتعمقة من قِبل معالي الوزير من أجل تطويرها والرقي بخدماتها بما يتوافق والوضع الصحي القائم.
 
فالتوعية الصحية بحاجة ماسة إلى مشروع وطني متكامل، يقفز بها من مجرد برامج متعددة ومشتتة، تعاني الأمرين في الموارد المالية والبشرية، وتحمل في طياتها الكثير من الازدواجية داخل وخارج الوزارة، إلى عمل مؤسسي مستدام، ذي منهجية تستند إلى البراهين، من خلال استراتيجية وطنية شاملة ومتكاملة للتوعية الصحية.
 
وأدعو معالي الوزير إلى تبني خطوة نوعية في ذلك، تتمثل في إنشاء مركز وطني لتعزيز الصحة والتوعية الصحية، ويهدف إلى تطوير البنية التحتية لتعزيز الصحة والتوعية الصحية في السعودية، وتوفير الموارد اللازمة لها، وإيجاد الكوادر المؤهلة، وتوفير الدعم العلمي والاستراتيجي لبرامج التوعية الصحية، مع القدرة على التخطيط والإشراف والتقييم للبرامج والحملات الوطنية وفق الأسس العلمية.
 
ويجدر الإشارة هنا الحاجة إلى مجلس وطني لتعزيز الصحة والتوعية الصحية، يستقطب عدداً من القيادات النافذة في القطاعات الحكومية المعنية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني؛ ما يُسهم في تفعيل الشراكات، وتعزيز السياسات والاستراتيجيات الوطنية في هذا المجال، والعمل على توحيد الجهود، والحد من الازدواجية، والاستثمار الأفضل للموارد.
 
ودعوني أقف ملياً مع جانب آخر من جوانب تعزيز الصحة التي تهدف للحد من عوامل خطورة الإصابة بالأمراض المزمنة، وهو على أهميته وقوته في ذلك إلا أن وزارة الصحة لم تعطه قدره من الاهتمام والموازنة حتى الآن.
 
"إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" هذا الهدي النبوي له نصيبه في تعزيز الصحة!! فقد أثبتت التجارب الدولية أن السياسات والأنظمة واللوائح المعززة للصحة في غير القطاعات الصحية لها دورها وأثرها في مواجهة الأمراض المزمنة.
 
وعلى سبيل المثال، فمنظمة الصحة العالمية تطالب بفرض سياسات تتعلق بالحد من التسويق والإعلان للمشروبات والأطعمة غير الصحية، بما فيها الأطعمة التي تحتوي على نسب عالية من الدهون المشبعة أو الزيوت المهدرجة أو السكر أو الملح، وخصوصاً لدى الأطفال.
 
وكذلك السياسات التي تتعلق بخفض نسبة الملح في الأطعمة المعلبة ومطاعم الوجبات السريعة، وهو ما بدأت به العديد من الدول، وفي مقدمتها بريطانيا، في مبادرات نوعية طوعية مع بعض شركات الأطعمة العالمية. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الحد من استهلاك الملح إلى 3 غرام يومياً يؤدي إلى تخفيض ضغط الدم؛ وبالتالي إلى نقصٍ مقداره 22 % في وفيات السكتة الدماغية، و16 % في وفيات بعض أمراض القلب.
 
كما تشمل السياسات والأنظمة الحد من نسبة الدهون المشبعة والزيوت المهدرجة في وجبات المطاعم السريعة والأطعمة المصنعة. وهنا أستحضر تجربة مدينة نيويورك التي استطاعت إقرار نظام لمنع استخدام الدهون المتحولة المصنعة (Trans Fats) في المطاعم، بما فيها مطاعم الوجبات السريعة العالمية، والأطعمة الجاهزة، في خطوة نوعية يمكن أن تُسهم في الحد من أمراض تصلب الشرايين وأمراض القلب والسكتات الدماغية.
 
كما تشمل تلك السياسات والتدابير تنفيذ اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ بشكل فعال، مثل رفع الضرائب المفروضة على التبغ، وسنّ تشريعات حازمة لمنع التدخين في الأماكن العامة، وليس كما هو الوضع القائم من خلل فادح في تطبيق ذلك، ولا أدل على ذلك مما نشاهده من التدخين في المطارات بشكل فج وفاضح دون احترام لتلك الأنظمة.
 
وهنا يتضح أهمية تعزيز الشركات مع القطاعات الأخرى لتفعيل الأنظمة والسياسات المعنية بتعزيز الصحة، التي تقع خارج مهام وزارة الصحة.
 
وأخيراً، أوجه رسالة لمعالي الوزير بألا ينسى الإنصات للمجتمع ومرئياته في القرارات والاستراتيجيات الوطنية التي ستُقدم عليها الوزارة لاحقاً.
 
وأتمنى أن تبدأ الوزارة بعمل ما يسمى بجلسات الاستماع العامة (Public Hearings)، من خلال عقد ورش عمل واجتماعات، يتم فيها دعوة المختصين والمهتمين وقادة الرأي ومؤسسات المجتمع المدني لمناقشة السياسات والاستراتيجيات والبرامج والخطط الوطنية (قبل إقرارها)؛ للاطلاع على مرئياتهم ومقترحاتهم في تطويرها. ويمكن الآن وبسهولة استطلاع آراء المجتمع من خلال الإنترنت.
 
دعواتي للوزير بأن يفتح الله عليه، وينور له دروب الصحة والمعافاة لمجتمعنا، وأن يصرف عنه المخذّلين والمثبّطين ممن سيجدهم في طريق التطوير والتحسين!!
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org