محليات
كن متماسكاً
أصبحت الحياة بأوجاعها وأفراحها كتاباً مفتوحاً، بمقدور كل فرد تصفحها بسهولة من خلال وسائل التواصل بكل أشكالها.. فهنا العالم والمتعالم، وهنا المتدين والمتخفي خلف الدين، وهنا الإيجابي ومُدّعي المثالية، وهنا الشخص البسيط، وهنا المتكلف، وهنا الإيجابي، وهنا من يتشدق بالإيجابية.
لم تعد المشكلة في التصفح والاطلاع على النماذج المختلفة والمخالفة؛ لكن المشكلة الحقيقية تكمن في مهارة اقتناء الفكرة والتوجه الأكثر صحة وواقعية.
لقد أصبح البعض من جيل الشباب -بل وحتى الأطفال وكذلك الإنسان العادي- في تلك الزحمة المعلوماتية، في صراع مزعج بين الحقائق الحياتية وبين المغالطات التي يبثها البعض تارة بقصد، وتارة بجهل مقيت وانفعالات غير عقلانية.
وهنا أصبح البعض لا يدري هل يظل يبحث عن الحقيقة من أفواه المتكلمين، أم يصنع لنفسه حقيقة تُوافق ضميره وحسه الإنساني؟
البعض يصمت لأنه لا يجد أن البحث مُجْدٍ، والبعض يسترسل في البحث ليصل إلى ضالته؛ فلربما وجد ما يحقق له الاستقرار الفكري والتوجه الصحيح المنطقي..
وهنا أقول لك عزيزي الباحث: كن متماسكاً..
كن متماسكاً؛ فليس كل ما يعتقده الكثير حقيقة عليك اتباعها، أو مرفوضاً عليك الهجوم عليه أو معاداته.
ومع أن الحقيقة تتجول في أقوال البعض وأحياناً لا تجد من يفطن لها؛ إلا أن مفاهيم مثل "الجهل" و"تصفية الحسابات" و"المدارك القاصرة" و"الجهل" يستخدمها البعض للتلاعب بالواقع؛ إما لتغيبه، وإما لإثبات ما يوافق مصالحه الخاصة ورغباته غير الناضجة.
كن متماسكاً
فلا تسمح للسلبيين بالعبور للحياة من خلال اصطيادك واستخدامك كأداة مساندة لنشر أصوات الجهل أو الشر.
إن التماسك مهارة يمكنك اكتسابها من خلال تغذية ذاتك بأدبيات الدين الحقيقية والأخلاقيات الثابتة، وكذلك من خلال تعلمك للمهارات الشخصية والاجتماعية التي تصنع لذاتك قيمة ووجوداً راقياً في الحياة.
لا يُعاب على الإنسان بحثه عن المعرفة؛ ولكن يعاب عليه جهله بأبعاد وخلفيات تلك المعرفة.
إن الحقيقة لا تسكن فقط على شفاه من ننسب إليه أو ينتسب إلينا قبيلة أو اسماً أو منطقة أو إقليماً؛ إنما الحقيقة هي كيان مستقل تنبعث من مفاهيم واعية ومعارف وافية، لا من أهواء طارئة أو حاجات خاصة.
إن التماسك يتحقق من خلال:
ثقة الإنسان بنفسه، والتي تتمثل في هذا السياق في عدم التأثر الأعمى والتبعية المطلقة للآخرين، كما تتمثل في شعور الفرد بحقه في استنتاج الرأي الحكيم من خلال القراءة الذاتية الخاصة، وهذا لا يعني الانفراد بالرأي؛ ولكن يعني القدرة على إثبات وتنطيق الرأي في الظروف والمواقف المناسبة.
كن متماسكاً عندما تجد مَن يستنكر على البعض توجهات أو سلوكيات أو حتى مهام ومسؤوليات، وتجده يمارسها بشكل أو أسلوب مختلف؛ ليقنع الآخرين بسلامة نيته ويعبث بنوايا الآخرين!
كن متماسكاً عندما ترى أن نجاح بعض الشخصيات ما هو إلا محفز لتوترات البعض وتجاوزاتهم اللفظية.
كن متماسكاً في وجه تناقض البعض لأنه سمة لديهم لا يليق بك تثبيتها في طباعك وتكوينك الشخصي.
والناضج هو مَن يجد في تخبطات البعض فرصة لحماية نفسه من تكرار تلك الأزمة التي صنعتها وسائل التربية غير السليمة والثقة بالنفس غير المنضبطة، وانعدام الشعور بالمسؤولية، إضافة الى غياب الهدف الحقيقي من الحياة.