خالد الفيصل.. علمني كيف أصطاد؟!! (3-4)

خالد الفيصل.. علمني كيف أصطاد؟!! (3-4)
في هذا المقال الثالث من سلسلة مقالات أستعرض فيها جوانب تطوير التعليم العام بالسعودية، أحاول أن أشارككم في فك اللغز الذي يحير الكثير منّا حيال الفرق بين التعليم لدينا والتعليم في الدول الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وغيرها، ولماذا يُخرّجون أجيالاً منتجة، قادرة على الفهم والاستيعاب، والإنتاج والمساهمة في تنمية مجتمعاتهم، واحترام الأنظمة، والتعايش الإيجابي مع البيئة (وفق قيمهم ومبادئهم)، ثم ممارسة المواطنة بجدارة وكفاءة.
يبدأ طرف الخيط من مفهوم "التعليم المبني على المهارات الحياتية"، الذي تعتمده تلك الدول كركيزة أساسية في بناء المناهج والسياسة التعليمية كلها.
وينطلق هذا المفهوم من أن المعرفة وحدها لا تكفي لصنع جيل قادر على الإنتاج ومواجهة التحديات والإسهام في تنمية المجتمعات؛ ولا بد من تزويده بمجموعة من القدرات السلوكية التي تُسهم في تعامله بإيجابية مع المواقف والاحتياجات والتحديات التي تواجهه في حياته اليومية، ومن ثم اتخاذ قرارات واعية مبنية على التحليل والفهم والإدراك للبيئة المحيطة.
ولأُقرِّب هذا المفهوم بطريقة سلسة، أعيد هنا الاستشهاد بالمثل الصيني الذي طرحته في المقالين السابقين، ومفهوم هذا المثل أنك إذا أردت أن تطعمني فلا تعطيني سمكة كل يوم، لأظل عالة عليك، ولكن علمني كيف اصطاد؛ حتى أعتمد على نفسي؛ فلا أكون بحاجة لأحد.
وقد التزمت العديد من دول العالم، بما فيها السعودية، بالمبادرة العالمية "التعليم للجميع"، التي تضمنت تبني "التعليم المبني على المهارات الحياتية"، وذلك كمتطلب أساسي في عملية التعليم، إلا أن تنفيذ هذا المفهوم لدينا لا يزال محدوداً، ويواجه الكثير من التحديات؛ بدلالة مخرجات التعليم التي نشاهدها!!
وبناء على منظمة "اليونيسيف"، تشمل المهارات الحياتية طيفاً واسعاً، تبدأ بمهارات التواصل والعلاقة بين الأشخاص، التي يتعلم فيها الفرد كيفية التواصل مع الآخرين والإصغاء الجيد، والتعبير عن المشاعر، وكذلك مهارات التفاوض والرفض، والعمل الجماعي، ومهارات التأثير في الآخرين.
وفي الشق الآخر هناك مجموعة من المهارات تتعلق بآليات صنع القرار وحل المشكلات التي تواجه الإنسان في حياته اليومية، وخصوصاً عندما يواجه ما يصطدم بقيمه وثوابته، وكذلك مهارات التفكير الناقد ومواجهة ضغط الأقران، هذا عوضاً عن المهارات المتعلقة بتحديد الأهداف وتقدير الذات وبناء الثقة بالنفس، إضافة إلى مهارات إدارة المشاعر والتعامل مع الضغوط.
أجزم بأن وزارة التربية والتعليم لو استطاعت التركيز على استراتيجية "التعليم المبني على المهارات" لاستطعنا أن نتجاوز الكثير من الإشكالات السلوكية التي تواجه المراهقين والشباب، بل تحفيزهم على خدمة مجتمعهم وتنميته بشكل أكثر فعالية، عوضاً عن تأهيلهم للتعايش مع التحديات القيمية التي تواجههم من كل حدب وصوب، واستيعابها في إطار المبادئ الإسلامية.
ولا أبالغ إذا قلت إن أحد أهم المناهج التي يمكن استثمارها في تعزيز المهارات الحياتية هي المناهج الشرعية، ولكن وفق منظور شامل، يتجاوز عملية التلقين والحفظ العفوي دون وعي واستيعاب، إلى تعديل جذري، نصنع منه حباً وفهماً عميقاً لهذا الدين في قلوب أبنائنا، يتمثل قيماً وسلوكاً عملياً وسطياً، وذلك كما أشرت في مقالي الأول من هذه السلسلة.
الطريق طويل في هذا الجانب؛ ويحتاج إلى مزيد من الجهد والغربلة للمناهج، وتأهيل المعلم، وتوفير البيئة المدرسية المناسبة لهذا النوع من التعليم، ودمج الأسرة في ذلك.. فهل سيدفع الأمير الوزير باتجاه مزيد من الدعم للمهارات الحياتية، ووضعها ركيزة أساسية في تطوير التعليم بالسعودية؟!! 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org