طبقات المجتمع السعودي الضعيفة

طبقات المجتمع السعودي الضعيفة
لا تستطيع الدولة، مهما أوتيت من قوة ومن حسن تنظيم، ومن وفرة مالية، وموارد اقتصادية، أن تكفل وترعى كل المعوزين والمحتاجين فيها، لا سيما تلك الفئات التي لا تستطيع أن تقوم بنفسها، وتحتاج معونات مالية وعينية مستمرة لا تنقطع.
 
فقوة المجتمع تَجبُر ضعف الدولة في بعض الجوانب، وترفع عن كاهل المسؤولين فيها، بعض الهمام والمسؤوليات، التي يسهل القيام بها مجتمعياً، ولا تحتاج إلى تدخُّل من قبل مؤسسات الدولة، إلا في بعض الجوانب التنظيمية والإدارية التي تكفل وتضمن سير الأعمال وفق منظومة الدولة القانونية.
 
أقول هذا على خلفية ما صرَّحت به وزارة العدل عن قرب إقرار صندوق حكومي للنفقة على المطلقات بمبالغ لا تقل عن الضمان الاجتماعي، في محاولة لدفع الضرر عن كثير من المطلقات اللاتي لا يجدن حد الكفاف خاصة إن كان معهن أطفال، أثناء امتناع الزوج عن النفقة، وهو ما يترتب عليه مشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة لهذه الفئة.
 
ويأتي السؤال: أين قوة المجتمع؟ وأين أوقافه الخيرية من هذه الفئة الضعيفة؟
 
إن ثقافة الوقف ما زال لها أثرها في المجتمع السعودي، الخيِّر بطبعه، ولكن يبدو أنها تأخذ طريقاً واحداً، إلا فيما ندر، حيث يستقر الوقف على بناء المساجد، وما شابه ذلك، دون أن يتطرَّق إلى جهات أخرى ربما تعظم الحاجة إليها في المجتمع، أكثر من غيرها من الأوقاف التقليدية.
 
ولنا أن نتأسف لتواضع إسهامات الوقف في إنجاز ما تعظم الحاجة إليه في مجتمعنا، على خلاف ما كان عليه في التاريخ الإسلامي؛ حيث كان للوقف دور كبير في تلبية حاجات للأمة، وكان الوقف حيث كانت الحاجة، سواء كانت تلك الحاجة تعليمية أو صحية أو خيرية..
 
إن المسلمين على مدار تاريخهم الطويل اهتموا بوقف المدارس على اختلاف مراحلها التعليمية؛ ووقفوا مع هذه المدارس أماكن لنوم الطلاب، ومواضع للدراسة والمطالعة، وقاعات للبحث والكتابة، ومرافق صحية، وكان يقوم على هذه المدارس أساتذة متفرغون للتعليم والمدارسة، ينفَق عليهم من مال الوقف.
 
وهناك أيضاً وقف المستشفيات ومستلزماتها، حيث اهتم المسلمون بوقف المستشفيات، والإنفاق عليها وعلى المرضى والأطباء والموظفين، وتقديم الرعاية للجميع، من أجل صيانة الصحة العامة، بل وانتشرت المؤسسات الوقفية، والتي كانت تقدِّم العناية الصحية لبعض الحيوانات كأي مريض آدمي إذا أصيب بأذى.
 
وكانت هناك مؤسسة وقفية تلجأ إليها النساء اللاتي يقع بينهن وبين أزواجهن نفور وبغضاء، فلهن أن يقمن آكلات شاربات إلى أن يزول ما بينهن وبين أزواجهن من نفور، ونستطيع أن نجد في حجج الوقف والواقفين روائع في غاية الأهمية في رعاية الطبقات الضعيفة مثل المطلقات والأرامل.
 
إننا يجب أن نعترف أن لدينا أكثر من مشكلة في إدارة الأوقاف، فحسب دراسة صدرت مؤخراً فإن حجم الأوقاف الإسلامية المقدرة في المملكة يتجاوز 500 مليار ريال، إلا أن عوائدها منخفضة جداً لا تتجاوز 5 في المائة، وقد لا تتجاوز 1 في المائة من حجم أصول تلك الأوقاف، في الوقت الذي تزيد فيه عوائد الأوقاف في أمريكا على 20 في المائة. وبحسب الدراسة، فإن 54 في المائة من الأوقاف في المملكة هي أراضٍ بيضاء لا يأتي منها دخل، بالإضافة إلى أن ثلاثة أرباع الأوقاف الموجودة متهالكة، هذا فضلاً عن فساد بعض ناظري الأوقاف، والمنازعات القضائية عليها.
 
نحن بحاجة ماسَّة لأن تقوم الأوقاف بدورها، وأن تسهم مساهمة فاعلة في تنقية نفسها، والعمل على تلبية حاجات المجتمع وفق رؤية غير تقليدية تضع في اعتبارها الطبقات الضعيفة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org