هل تنمَّر عليك أحدهم؟

هل تنمَّر عليك أحدهم؟
حين كنتَ ذاك الصغير في مدرستك الكبيرة هل حدث أن دس أحدهم يده في جيبك، وانتزع ما يمكن أن يكون فيه؟ لعله اعتاد أن يلتقط فطورك الصباحي، ويجعلك تتضور جوعاً بلا فسحة! قد يكون رحيماً حين يمط شفتيه فحسب ويمضي منتصراً ضاحكاً دون أن يطرحك أرضاً! هل كنت تراه طويلاً، كبيراً، قوياً بما يكفي لتخافه؟ إذ يمكنه أن يركلك أو يمزق كتابك، وعليك أن تصمت! ويجعلك تحت تأثيره مستسلماً له، ويُسكت أي انتباهة منك بجحظة عينه، أو حركة جفنه، أو عضة لشفته السفلى.. فتخور قواك. ربما لا يكون انتقاك وحدك بل فرض سيطرته على مجموعة معينة؛ استسهل انهزاميتها، وترأس عصابته الصغيرة! مستعرضاً قوته في غياب دور المعلم الذي لم يلحظ ولم تنبهه، مع تغييب مؤشرات تسلطه عن والديك.
 
لعلك تتساءل عن ماهية ذاك التسلُّط، ولِمَ كان يحدث ذلك منه دون مقاومة منك؟ وهذه الشراسة كيف بدت من طفل في مثل عمرك بالقدر الذي جعلك ضعيفاً، يتندر عليك بقية الصغار؟ وجعله قوياً متسلطاً، يكرر فعلته بلا ضمير؟!
 
هذا السلوك أصبح له تسمية، وتُجرى حوله الأبحاث والدراسات العالمية، ويتم تدريب وتوعية منسوبي المدارس وأولياء الأمور للتصدي له، وعلاج الطرفين (الأقوى والأضعف معاً)..
 
التنمُّر المدرسي، التسلط، الاستقواء  (bullying).. كل هذه التسميات لسلوك مشين، يمارَس بين الأقران، ويُعتبر سلوكاً عدوانياً؛ بغرض الإضرار بالضحية المستهدفة التي غالباً ما تتسم بضعف الشخصية والخوف. ويمارَس بطرق مختلفة (لفظية وجسدية ونفسية).
 
وقد نسبوا ذلك للنمر، وليس للأسد (الذي تخلى عن مُلكه هذه المرة)؛ لأن النمر يصعب ترويضه، ويستلذ بتعذيب فريسته!
 
هذا السلوك العدواني أصبح ظاهرة فعلاً، وشكلاً من أشكال العنف؛ لآثاره السيئة التي قد تصل لرفض الطفل (الضحية) الذهاب للمدرسة، أو يتأخر مستواه الدراسي، وينكفئ على نفسه؛ وبالتالي ينشأ ضعيف الشخصية، غير قادر على مواجهة المجتمع والاعتماد على نفسه.. والأخطر حين تصبح البيئة المدرسية غير آمنة، ويتوقع فيها الدارسون خطراً ما على الدوام!
 
الجيد أن الانتباه لهذه الظاهرة تكامل تقريباً من قِبل الجهات المعنية، والجهود تضافرت للقضاء عليها، وكأني بالطفل الذي بدأت به مقالتي يقول (الله لنا)..
 
لكن التنمر مع هذا الجيل الإلكتروني سيكون أكثر تنوعاً وقدرة على التخفي، وابتكار أساليب لم تكن موجودة من قبل!
 
الآن هناك مشروع وطني كبير لنبذ العنف بين الأقران، ومنه التنمر، وظهرت الخطط والاستراتيجيات التربوية والتعليمية التي تستهدف الميدان التعليمي للوقاية من التنمُّر، وعُقدت البرامج التدريبية لتنمية المهارات المهنية والمعرفية للمختصين في مجال التوجيه والإرشاد؛ للتصدي لظاهرة التنمر بين الأقران بمدارس التعليم العام، وتعاضدت الشراكات بين وزارة التعليم حيث إدارتا التوجيه والإرشاد والتدريب والابتعاث، واللجنة الوطنية للطفولة، وبرنامج الأمان الأسري الوطني، ومنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة "اليونيسيف".. ولم يعد الأمر مجرد طفل متسلط على آخر، أو مراهق يستغل آخر، بل حالات تستحق الدراسة والعلاج.
 
وبعد لمن يقرأ: هذا إن كنت ممن تُنمِّر عليه، أما إن كنت متنمِّراً فللحديث وجه آخر!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org