التعليم.. ثوابت ومتغيرات

 التعليم.. ثوابت ومتغيرات
التعليم ركن أساس في بناء مستقبل الدولة وتحديد مكانتها بين الدول، ومستوى التأثير الذي تطمح إليه، والتغيير الذي تسعى لإحداثه، فهو معنيٌّ بصياغة الأجيال التي تعوّل عليها الدول، وتتكون منها الحضارات، وبحسبه يمكن أن يحدّد مستوى نضج المجتمعات وحجم رصيدها من الطاقات البشرية والقدرات الذاتية التي تؤهلها لتكون نجماً لامعاً أو كوكباً ميتاً لا يُرى إلا وميضه الظاهر للعيان من كوكب غير موجود على الحقيقة.
 
وتحديد ثوابت التعليم ومتغيراته من مؤشرات الاتجاه الصحيح وحسن إدارة المقدّرات والوعي بالتحديات التي تحدق بنا، والتي تفرض علينا الفراغ من التنظير والانطلاق للتغيير؛ فليس هناك المزيد من الوقت الذي يمكن أن نضيعه في محيط من الجاهزية والتطلع للريادة واستلام زمام المبادرة والقيادة في هذا الزمن الصعب الذي نعيشه، ومن المعيب فعلاً أن نبقى عاجزين أو مترددين عن تحديد ثوابتنا التي ننطلق منها أو المتغيرات التي نبدع في توظيفها في هذا الوقت بالذات.
 
وتحديد الثوابت والمتغيرات لدى الأمم الواعية لا يخضع لاتجاه تيار ولا ينبع من مزاج شخصي، ولا يصدر عن توجه فكري ولا يرتبط بتواجد أفراد، كما أنه ليس نتيجة إلهام ولا ضربة لازب أو تجربة فردية أو مدرسة فكرية، ولا يقبل أو يعقل أن يكون سراً من الأسرار أو أجندة خفية أو مجاملات شخصية.
 
إننا نتحدث عن هدف معلن ورؤية واضحة وخطة محكمة، تعبر عن الهوية وتحافظ عليها، وتنبع من المرجعية المتفق عليها، وتحقق الطموح الذي نصبو إليه، وتنسجم مع توجّه الأغلبية، وتراعي الأخطار المحدقة والمعاهدات الملزمة والأوضاع القائمة.
 
 يعمد البعض إلى إنكار الثوابت تصريحاً أو تلميحاً، ويحب آخرون أن تختلط الثوابت بالمتغيرات أو يعانون ذلك، ومن مؤشرات ذلك أن يصبح من السهل التنازل عن الثوابت أو التفريط فيها أو نقلها من الثوابت إلى المتغيرات، بينما يتمسكون بالمتغيرات الخاضعة لظروف الزمان والمكان والإمكان، أو يجعلون الثوابت سلعة قابلة للتداول وخاضعة للعرض والطلب، أو فكرة قابلة للنقاش في قاعات الصف وصفحات الصحف ووسائل الإعلام والتواصل، ويتحاشى المتحاورون المتغيرات، ويتغافلون عن عيوبها، أو يدافعون عنها بل ويقدسونها أحياناً، وهم بهذا يُدخلون المجتمع في متاهة تستنزف طاقاتهم وثرواتهم، وتشتت انتباههم، وتستغرق أعمارهم، وتثير انفعالاتهم، ويصبح همهم الأكبر الخروج منها.
 
ومع وضوح الثوابت والمتغيرات، تنتقل المجتمعات من التنظير إلى البناء، ومن التخطيط إلى التنفيذ، ومن الحيرة إلى الهداية، يسهل عليها تقييم الجهود وتقويم المسار، ووضع المعايير وتبرير القرار، ولا يضيرها أو يقلقها تغيّر الأسماء ولا تعدد الجهات ولا اختلاف الوسائل ولا تنوّع الأساليب.
 
يمكننا أن نختلف حول أشياء كثيرة ونبقى مختلفين، لكن أتمنى ألا تكون ثوابت التعليم واحداً منها، وإلا فنحن متجهون نحو أي شيء إلا النجاح.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org