2- وكنت لا أبالي غالباً بمثل هذه الرّسائل. وفي يوم من الأيام كنت مع مجموعة من طلاب العلم نتناقش في مسائل علمية، فكانت هذه المسألة من المسائل المطروحة، فقال أحد المشايخ إنه كان في إحدى المحافظات بمنطقة من مناطق المملكة العربية السعودية، وكان هناك شيخ؟!! من بلد عربي، هو شيخ لغالب سكان هذه البلدة في القرآن الكريم، ومعروف عنه سعة علمه الشرعي، وكان مربياً وقدوةً. يقول الشيخ: فذهب إليه أحد الإخوة، وقال له إن أبي قد مات، وأرغب في أن تَحُجَّ عنه. يقول: فقال لي: أستغفر الله! أستغفر الله! إن وجودي في بلادكم مؤقت، وأرغب في أن أكثر من الحج عن نفسي. يقول: فقلت له: لا أرغب في أن يَحجَّ عن أبي إلا أنت، ولا أثق إلا بك. يقول: وتحت إلحاحي وافق، لكن أخذ عليَّ شرطاً ألا أخبر بهذا أحداً، وعلل ذلك بأنه يخشى أن يجد ضغوطاً وإحراجات من أولئك الذين رفض أن يَحجَّ بالإنابة عنهم، وضغوطات في المستقبل من أولئك الذين يرغبون بتحجيجه نيابة عنهم، وهو سيتنازل عن قاعدته بالامتناع عن الحج عن الغير من أجلي. يقول: فشكرت له هذا الصنيع، وقلت له: لن أنسى معروفك هذا. يقول: فأعطيته ما كتب الله من المال مصاريف للحج. يقول: وفي يوم عرفة كنتُ مع مجموعةٍ من طلبة العلم، فرأينا مناظر الحجاج المهيبة؛ فقال الأخ الذي أناب الشيخ؟! بالحج عن أبيه بلحظةٍ عفوية بدون قصدٍ منه، فكشف السر فقال: الحمد لله، لقد أنبت فلاناً للحج عن أبي. يقول: ففغر أحدهم فاه، وقال: وأنا كذلك، وكلته للحج عن أبي.