"ابن حميد" في خطبة الحرم: العمل في ديننا من أهم أنواع العبادات

وصَف التقاعد بأنه "نقلة وتجريب وتغيير لا تعطيل قدرات ولا دفن خبرات"
"ابن حميد" في خطبة الحرم: العمل في ديننا من أهم أنواع العبادات
تم النشر في
عبدالحكيم شار- سبق- الرياض: أكد إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمستشار في الديوان الملكي، الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، أن الإنسان مكلف ومنتج ما دام متمتعاً بقوته وعقله، يجمع ذلك قول الله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}.
 
وقال: "لا تطيب الحياة إلا بسموّ معناها، بإدراك العبد عظمة الخالق، ثم ينظر بعد ذلك الغاية من الخلق، وحينئذ لا تضطرب عنده الأولويات، ولا تتشتت به الهموم، ولا يتسلل إليه القلق، أن إدارك معنى الحياة مما فطر الله الناس عليه؛ فمنح سبحانه قدرات وعلوم ومواهب وجعل كلاً ميسراً لما خُلق له".
 
وتابع في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام بمكة المكرمة يقول: "من لِطَائف خلق الله وحكمته أن ضعف البدن يُقابلة قوة العقل، واشتعال الشيب يقابله ظهور الحكمة؛ هذه هي حياة الإنسان في الإسلام؛ مشيراً إلى الإنسان في هذا العصر تربطه بالعمل نُظُم وتنظيمات تجعل كثيراً من الأعمال والوظائف محدودة بمؤهلات وخبرات وبداية ونهاية؛ فموظف اليوم متقاعد الغد، ومتقاعد اليوم موظف الأمس".
 
ودعا الموظف والعامل الذي انتهت فترة عمله ألا يكون أسير وظيفة انتهت مدتها، وقال: "ليس من الحكمة أن يلقي باللائمة على غيره من الأهل والمجتمع والأنظمة وغيرها، وألا يتشبث المرء بمرحلة معينة من حياته؛ بل ينبغي أن يُحسن الظن بأن القادم بإذن الله وحده، وأن مصدر السعادة ليس في المراتب، وليس في الدخل المادي ولا وظيفة بعينها؛ بل السعادة بعد توفيق الله وحسن عبادته في العمل".
 
وأضاف: "الموظف ترَك الوظيفة ولم يترك العمل، حكيم من ينظر إلى التقاعد على أنه بوابة يُطِلّ منها على ميادين الحياة الفسيحة التي شغلتها عنها وظيفته، التقاعد بوابة تتفتح على بيئة عمل جديدة ومجالات واسعة؛ فالمرء يملك الوقت حتى آخر لحظة من عمره".
 
وأشار إلى أن الإبداع والهمة والجدية لا تسأل الإنسان عن عمره، ولا يمنع عن الجد والعمل إلا العجز والكسل، ووصف التقاعد بأنه نقلة وتجريب وتغيير لا تعطيل قدرات، ولا دفن خبرات؛ بل هو فرصة لإطلاق طاقات كامنة ورغبات دفينة كانت الوظيفة قد قيدتها وطمرتها.
 
ولفَتَ إلى ما فهمه أصحاب الهمم من العبارة المتداولة "فلان طوى قيده"؛ فقال: "هذا العارف لقد طوى هذا القيد من الارتباط؛ فأصبح المرء حراً في ميادين أرحب ومجالات أوسع وإبداعات لا تقيدها الأنظمة".
 
وأوضح "ابن حميد" أن "من تجارب المتقاعدين من لم تكن له بداية مورقة لا تكون له نهاية مشرقة؛ فحياة المرء وحيويته ليست مربوطة أو متوقفة على عمل نظامي أو وظيفة مؤقتة؛ فالحياة ملأى بمواطن الفرص وميادين الإمكانات".
 
وذكر أن "من حق النفوس الكريمة التي انتهى عملها النظامي أن تطمئن بعدما جاهدت بصحتها وقتها وفكرها وأفنت أيام حياتها؛ لتبني أسرة وتُعمّر مؤسسة وتخدم أمة؛ فليس من الوفاء أن من قدّم لأمته زهرة عمره وأيام جده وحيوته أن يفرط فيه في آخر عمره؛ فمن حقه أن يقدر له عمله"؛ مشيراً إلى أن كثيراً من الدول والمؤسسات تستعين بخبرات تجاوزت السن النظامية.
 
وبيّن خطيب المسجد الحرام أن "مفهوم العبادة في الإسلام واسع وقد قال تعالى: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}، والعمل في ديننا من أهم أنواع العبادات؛ لأنه كسب واستغناء وعفة ومثوبة، إنه العمل الصالح بأوسع معانيه {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}، وفي الحديث الشريف: "خير الناس من طال عمره وحسن عمله".
 
وتساءل: "وهل وقفتم عند هذه الأدعية التي يُردّدها المسلم في أوراده: "اللهم اجعل خير عمري آخره وخير أعمالي خواتيمها"؟ أدعية تطالب بالأحسن والأفضل والأجود والأنفع والأصلح، والمسلم يؤكد بهذه الأدعية وأمثالها أنه ذو همة ومتطلع من ربه للأعلى والأجود والأصلح"؟ ألم يقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها"؟ فيا عبدالله، لا تكن أسير حياة ماضية، إن من الدين والعقل والهمة والحزم ألا ينظر المرء للخلف؛ بل يسعى لبناء حياة جديدة؛ فكن فعالاً ذا عزيمة".
 
وأكد "ابن حميد": "ليس في حياة المسلم فراغ؛ فهو يُحِسّ بإحساس أمته، يعيش همومها ويفرح لفرحها، ويتألم لآلامها، وهو من جانب آخر في علم وعمل وزيارات وصلة رحم، وتواصل وأعمال خيرية وإرشاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وتوجيه واحتساب".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org