أيها التربويون.. لماذا تُخيفون أبناءنا؟

أيها التربويون.. لماذا تُخيفون أبناءنا؟
تم النشر في
جميعنا قرأ الخبر المفزع الذي نقلته "سبق" مشكورة، ومفاده: علمت "سبق" بأن مدير إدارة التربية والتعليم بمكة المكرمة محمد بن مهدي الحارثي قام صباح الأحد، الموافق 15/ 7/ 1436هـ، بالوقوف شخصياً على إجراءات اللجنة المشكَّلة للتحقيق من قِبل إدارة تعليم مكة المكرمة، من أجل كشف التفاصيل كافة، التي تعرَّض لها طالب يتيم بالصف السادس الابتدائي، وضربه من مدرِّسه على الوجه ضرباً مبرحاً، وإهانته بطلب شم سلة الزبالة بالفصل.
 
وللأسف، لم يكن الطالب وحده ضحية هذا المربي القاسي، بل كان هناك طالب آخر، نال الجزاء نفسه. وقد جاء في ثنايا الخبر أن المعلِّم اعترف بفعلته، وعزا ذلك إلى تداعيات مرض السكر الذي يعانيه.
 
وأعجب كل العجب من رد كهذا!! ترى لو كان الطالب يعاني أيضاً مرض السكر هل ستتقبل أيها المربي الفاضل أن يكون الجزاء من جنس العمل؟ لقد حملت الصورة التي نشرتها "سبق" أقسى معاني التعبير بوجه الطفل، وقرأنا الإحباط الذي عاشه هذا الطفل من جراء هذا العقاب الجوانتنمي. ويكفي ما روته السيدة والدة الطفل عن حالة الطالب عندما حضر للبيت منهاراً مما تعرض له، وكيف سيكون وضعه بين أقرانه وقد أُهين بهذه الطريقة الفجة؛ فالإيذاء النفسي الذي تعرض له ليس بالسهل، وربما سيظل جرحاً لا يندمل.
 
لماذا تحوَّل بعض المربين إلى جلادين؟ هل هو الملل الذي قد يدفع الإنسان إلى البحث عن المشاكل للخروج من هذه العزلة؟ هل هو ضعف التأهيل؟ هل هو طبيعة المناهج وصعوبة عرضها، التي ربما دفعت المعلم لارتكاب حماقات من هذا النوع؟ ترى، لماذا لم ينظر المربي إلى هذا الطفل من زاوية الأبوة؟ ومهما كان الرد فلا يمكن تبرير ما حصل، إلا أنه نابع من حقد على الطفولة، وجهل تام بالتعامل مع الأطفال أحباب الله. في الحقيقة، الكلام يطول حول مشاكل العملية التعليمية، وللأسف في الغالب يقع الطالب ضحية لهذه المشاكل؛ فإن تأخر توزيع الكتب جاء الحمل على الطالب، ودفع تبعات ذلك بضخ كمية هائلة من المعلومات في فترة بسيطة لتعويض فترة التوقف، وكأن الطالب هو المتسبب في التأخير. وإذا تغير المنهج أُجبر الطالب على فهمه رغم ضعف تأهيل المعلم أو المعلمة؛ لأن معظم المناهج التي تُطوَّر يزج بها دون التأكد من فَهم واستيعاب المعلم لها بشكل جيد. وهنا يقع المعلم أو المعلمة في حرج؛ فيبدأ الطالب يعاني قصور شرح المعلم للمادة؛ فنضطر نحن الآباء إلى إيجاد مدرس خصوصي بديل بعد المدرسة لشرح ما عجز عنه المعلم!
 
وعلى الرغم من وجود إشراف تربوي إلا أن دور المشرف الاجتماعي في معظم مدارسنا بنين وبنات غائب تماماً؛ ذلك أن الإشراف الاجتماعي علم قائم بذاته، وليس من يتصدى له مجرد موظف يتقاضى راتباً والسلام، بل لا بد له من موهبة لأداء مهمة كهذه، ويحتاج من المهارة ما يمكنه من أدائها على أكمل وجه.. فكم من طالب وطالبة يعانيان من معلم أو أكثر، ولا يستطيعان التفوه بذلك خشية أن يعلم المعلم أو تعلم المعلمة، ومن ثم يدفعان الثمن؛ إذ لا حقوق واضحة أو حماية لهما من تبعات ما يفصحان عنه للمشرف الاجتماعي، بل ربما ساءت سمعة من يشتكي في المدرسة، ويُتهم بأنه مثير قلاقل؛ ما حدا ببعض الطلبة إلى ترك المدرسة بسبب تعنت معلم أو معلمة.
 
وعلى الجانب الآخر، لو نظرنا إلى طلبة الجامعة، الشباب الواعد، فهم ليسوا بأفضل حال من طلبة المرحلة ما قبل الجامعية. ومن واقع تجربتي وقربي من طلبة الجامعة، ما زال الكثير من أعضاء هيئة التدريس يمارسون الدور المفزع نفسه مع الطلاب، من حيث التخويف بالدرجات، أو الطرد من المحاضرة إن رن جرس الجوال، أو حضر متأخراً.. فلماذا هذا كله، والطالب الجامعي له من الظروف ما يلزم عضو هيئة التدريس بتفهم المرحلة التي يمر بها؟ فمعظم طلبة الجامعة مسؤولون عن أسر، وبعضهم مرتبطون بمواعيد مع والديهم، إما لمرض أو سفر؛ ما قد يضطر الابن إلى أن يكون مرافقاً لوالده أو والدته في موعد أو سفر؛ وهذا يترتب عليه تأخير أو غياب عن بعض المحاضرات، وهو ما لا يتفهمه معظم أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا؛ وتبدأ الضغوط على الطالب، وربما مُنع من حضور المحاضرة بسبب التأخير أو سُجّل عليه غياب، والطالب المسكين في كثير من الأحيان بدافع الحياء والخجل ربما يتحمل الغياب أو الحرمان من المادة بسبب تعنت هذا العضو، وعدم تفهمه لظروفه، على أن يدخل في مماحكات هو في غنى عنها. 
 
هناك الكثير من الضغوط التي تمارَس على طلبة الجامعة من قِبل بعض أعضاء هيئة التدريس. ومن خلال خبرتي في الموضوع ومشاهداتي أستطيع أن أقول بكل اطمئنان: إن بعض أعضاء هيئة التدريس يمارس هذه الضغوط من باب التنفيس عما تعرض له عندما كان طالباً.. ولو المجال يسمح لكشفت لكم عن أسماء تمارس هذه الضغوط على الطلبة بسبب ما تعرضت له. وهذا – للأسف - مؤشر خطير، ودليل على وجود خلل في شخصية هذا البعض؛ لأن مهمتنا نحن أعضاء هيئة التدريس في الجامعات أن نساعد الطالب على تكوين وبناء شخصيته، وإعداده ليكون مواطناً صالحاً.. وهذا هو الهدف الأسمى من العملية التعليمية برمتها؛ لأن معظم الطلبة بما أُتيح لهم من تقنيات الاتصال الحديثة أصبح لديهم من المعلومات والخبرة والدراية ما يفوق ما لدى كثير ممن يحملون شهادات الدكتوراه؛ ولذلك يجب التركيز على إعداد شخصية طالب الجامعة؛ ليكون عنصراً إيجابياً في المجتمع. وحبذا لو أصبح التركيز على اكتشاف مواهب هؤلاء الشباب الواعد، والأخذ بأيديهم لمجال البحث والقراءة المستنيرة، بدلاً من تفريغ شحنات العقد النفسية الموجودة عند البعض، التي لا تؤدي إلا إلى المزيد من الجهل. ولكم أن تتخيلوا أعزائي القراء أن بعض الشُعَب التي يدرس فيها بعض الطلبة الجامعيين تبدأ بأعداد كبيرة، ولا تلبث تلك الأعداد بالتناقص نتيجة حذف معظم الطلبة المسجلين المادة بعد أن أفزعهم من يقوم على تدريسها بكم التهديدات والوعيد المفرط، ولم يبق معه إلا من ليس له خيار إلا الاستمرار لظروف التخرج.. فهل مثل هذا العضو جدير بأن تتاح له الفرصة ليمارس هذا الدور تجاه شباب واعد؟ وللأسف معظم هؤلاء ممن تم إعادة إنتاج عُقَدهم بالتعاقد معهم بعد أن تقاعدوا، والأولى ضخ دماء جديدة، بدلاً من استمرار العقليات المظلمة نفسها. ويكفيني أن أسوق لكم مثالاً واحداً على ضعف التعليم الجامعي في معظم جامعاتنا: فقد تجولت في جامعات لدينا يُشار لها بالبنان، ولكن للأسف لم أجد على مكاتب أعضاء هيئة التدريس فيها أي مكان لجدول الساعات المكتبية للعضو، وهذا نظام سائد في كل أنحاء العالم المتقدم. لا بد أن تُخصص لعضو هيئة التدريس في الجامعة ساعات، يكون فيها حاضراً في مكتبه لاستقبال الطلبة، وتلقي استفساراتهم، وقضاء حاجاتهم المتعلقة به.. ويجب أن يلصق هذا الجدول في مكان بارز على باب المكتب، فأين هو هذا الجدول يا جامعاتنا العزيزة؟
 
وطبعاً، هناك الكثير مما يمكن أن يُقال، ولكن ظروف المساحة تجبرنا على الاختصار، ولكن أجدها فرصة مناسبة لأوجه رسالة صادقة إلى معالي وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل، وكلي أمل أن يتاح لمعاليه الوقوف شخصياً على مشاكل الطلبة عموماً، وبشكل خاص طلبة الجامعات؛ لأن هناك الكثير مما يحتاج إليه الطلبة.. ولا بد أن يعاد النظر في قضية حصانة عضو هيئة التدريس التي منحها لنفسه بحيث لا يُساءَل، والطالب دائماً على خطأ؛ فكل ذلك أدى إلى تخلف معظم جامعاتنا عن الركب، وأصبح هدف الطالب الاجتياز بأية طريقة للخلوص من هذا الكابوس. 
 
كما أتمنى على معاليه إعادة النظر في طريقة تأهيل معلمي المراحل ما قبل الجامعية، وضخ من هم من حملة الشهادات العليا في المراحل الابتدائية والمتوسطة؛ لأنهم قد وصلوا لدرجة من النضج تؤهلهم لتحمُّل ومجاراة الأطفال في براءة تصرفاتهم، وإعادة العمل بالنشاط اللاصفي الذي توقف منذ زمن بعيد؛ فقد كانت المدرسة بيت الطالب، ولا بد أن نعيد هذا الدور للمدرسة، وننمي مواهب الطالب بشكل علمي.. لا نريد أن تكون مدارسنا بهذا الشكل الموحش؛ فلا بد من إعادة تصميم المبنى لكي يصبح جاذباً للطالب. لا نريد أن يذهب الطالب إلى المدرسة وفي ذهنه أنه نوع من العقاب؛ فما زال منظر تكسير الطلاب لأحد الفصول في نهاية العام عالقاً في ذاكرة معظمنا، وما هو إلا تعبير عن كره هؤلاء الطلاب لهذا المكان، فما السبب إذن؟ أسئلة كثيرة بحاجة إلى أجوبة على أرض الواقع، وأنتم خير من يجيب، نحسبكم كذلك، ولا نزكيكم على الله. والله من وراء القصد.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org