وزير الصحة ..ورياح التطوير (1من3)

وزير الصحة ..ورياح التطوير (1من3)
تم النشر في
يأتي معالي وزير الصحة المكلف المهندس عادل فقيه، في بيئة يشوبها الكثير من التحديات والصعوبات.
 
ففي حين أن وزارة الصحة تعيش أفضل سني عمرها من حيث ضخامة الميزانيات والصلاحيات التي لم تكن لديها قبل بضع سنين، إلا أنها تعيش في تناقض داخلي بين كثرة خطط واستراتيجات متعددة ومتشعبة، وبين مطالب ملحة للمجتمع في تحسين جودة الخدمات الصحية.
 
والمتابع لتصريحات معالي الوزير خلال الفترة القصيرة الماضية، ومنهجيته في التفكير والعمل، سيشعر حتما أن هناك رياح تطوير تهب على وزارة الصحة، وفي اعتقادي أنها رياح ذات نوعية مبتكرة وغير مسبوقة، ولها قوتها التي يشعر بها المهتمين بالجانب الصحي، وسيكون لها أثر في إصلاح بعض جوانب الخلل بالوزارة بعون الله.
 
ولعلي في هذه المقالات الثلاث استعرض بعض جوانب التطوير الجوهرية لوزارة الصحة لعلها تجد آذانا صاغية لدى معالي الوزير.
 
ولن أدعي هنا أنني أملك عصا سحرية، أو علاجا جذريا لخلل متجذر منذ عقود بالوزارة!!، ولكن أحاول أن أتلمس رؤى يمكن أن تكون معالم للطريق للوزير الجديد.
 
نبعت هذه الرؤى من تأمل عميق في مسيرة الخدمات الصحية، وممارسة العمل فيها استمر لقرابة عشرون عاما، امتزج بعمل مع منظمات صحية عالمية، وإطلاع على التجارب الدولية.
 
واعتصر بتخصص تعزيز الصحة الذي ينظر للصحة كمفهوم شامل ومتكامل لا يعني إطلاقا مجرد جرعة دواء أو الخلو من المرض، بل لمفهوم أوسع وأشمل للصحة، يعني التكامل البدني والنفسي والروحي والاجتماعي، وقدرة المجتمع على السيطرة على محددات الصحة، والوصول للخيارات الصحية بيسر وسهولة، وتحقيق الشراكة والتعاون مع القطاعات والمؤسسات المجتمعية.
 
ولعلي ابدأ هذه الرؤى بما قلته في مقال نُشر قبل أربع سنوات تقريبا في صحيفة الرياض بعنوان "وزارة الصحة..أيعقل حدوث هذا في مستشفاك؟"، من أن أحد أهم التحديات التي تواجهها الوزارة، بل وتواجه معظم القطاعات الحكومية، هو تطوير قيادات على المستوى المركزي والطرفي، متمكنة من مهارات الإدارة والتدبير، ووضع الاستراتيجات، وتحديد الأولويات، والقدرة على اتخاذ القرار واستشراف المستقبل بناء على الأسس العلمية.
 
ومتى ما تم ذلك فانتظر وضوح الرؤية، وتلمس احتياجات المجتمع الصحية، وتحسين الخدمات الصحية على الأقل لمستوى يتفق والميزانيات الضخمة التي تصرف عليه.
 
كما ينبغي للوزير أن لا يهمل تطوير القيادات الأخرى بمستوياتها المتعددة بما في ذلك مدراء العموم ومدراء الأقسام، فهؤلاء بأمس الحاجة للتطوير في تلك المهارات،وهو ما يستلزم عقد دورات تدريبية تأهيلية لتلك القيادات في مجال الإدارة والقيادة والتخطيط الإستراتيجي.
 
وأيضا هناك جانب مهم يمكن لمعالي الوزير أن يستثمر فيه، يشمل إنشاء برنامجا وطنيا لاكتشاف واستقطاب الكوادر القيادية الوطنية الناجحة على مستوى المديريات والقطاعات الأخرى من خلال اختبارات محددة، ومن ثم تمكينهم في المناصب القيادية وإدارة المنشآت الصحية. وعندما أتحدث هنا عن القيادات فيمكن أن يكون طبيبا أو فنيا أو إداريا أو مهندسا، فلا ضير في ذلك، ما دام أنه يمتلك مقومات القيادة الناجحة، والتجارب الدولية تثبت ذلك.
 
ولا أبالغ إذا قلت بأن هناك الكثير من الكفاءات المغمورة في الوزارة والمديريات التي يمكن، ومن خلال ذلك البرنامج، اكتشافها ومن ثم تمكينها من القيادة بمستوياتها المتعددة. وفي اعتقادي أن هذا البرنامج سيغني الوزارة عن البحث عن الكفاءات في الشركات المرموقة كأرامكو وغيرها.
 
ولعل من معالم الطريق لمعالي الوزير إنصاته جيدا لقيادات الإدارة الوسطى فما دون، كمدراء العموم وما دونهم، وخصوصا مدراء الأقسام، فهم حلقة الوصل بين الخطط والتنفيذ، وهم أقرب للميدان والواقع، وتفهم حاجات المجتمع.
 
يضاف لذلك أن على الوزارة استقطاب أفضل الخبرات العالمية للعمل في جهاز الوزارة، فهو الجهاز المركزي المسؤول عن صنع الاستراتيجيات والتخطيط والإشراف.
 
ودعوني أكون صريحا في هذا الجانب، فمن الظلم للمجتمع أن يتم تعيين متعاقدين، وخصوصا من خريجي بعض الجامعات العربية والآسيوية في جهاز الوزارة، وهم لا يمتلكون الحد الأدنى من مقومات التخطيط والإشراف!!.
 
فمن حق المجتمع علينا أن يتم تعيين أفضل الخبراء العالميين في المجال الصحي بجهاز الوزارة، أسوة بما يتم في استقطاب الخبراء العالميين للعمل في بعض المدن الطبية.
 
والمنطق يصرخ هنا ليقول أنه إذا كان الخبير العالمي في المستشفى سيقدم خدماته لبضع مئات من المرضى، فمن باب أولى أن يتم تعيين خبراء عالميين بالوزارة ممن سيقومون بالتخطيط والإشراف على برامج تمس صحة الملايين!!.
 
الشق الآخر في التطوير الاستراتيجي للوزارة يكمن بالاستثمار في البشر، وليس في الإسمنت والأجهزة فقط!!.
 
وزارة الصحة تبذل مشكورة المليارات في بناء المنشآت الصحية والتجهيزات والأدوية، وهذا بلا شك مطلب استراتيجي لا جدال فيه، لكن ما فائدة ذلك إن لم يصاحبه استثمار فعلي في الكوادر الصحية والإدارية. وهنا تكمن فجوة كبيرة تمثل أحد أهم التحديات التي تواجه الوزارة.
 
نحن بحاجة لبرامج تدريبية عالية الكفاءة، تضمن رفع مستوى المعرفة والتوجه والممارسة لدى تلك الكوادر. نحن بحاجة أن تتم تلك الدورات من خلال مؤسسات تدريبية محترفة ومؤهلة لذلك، قادرة على استقطاب مدربين أكفاء، وليس، كما هو الواقع المحزن الحالي!!.
 
حيث أصبحت المؤسسات التدريبية التي تتعاقد معها الوزارة مجرد مؤسسات لحجز قاعات تدريبية وتوفير المأكل والمشرب، أما الكوادر التدريبية ومستوى التدريب، فحدث ولا حرج!!. أختلق العذر للمعنيين بالتدريب في الوزارة في هذا القصور، فكيف لها أن تستقطب مؤسسات تدريبية محترفة أمام مكافآت مهلهلة للمدربين لا تغني ولا تسمن من جوع!!.
 
أما الرقابة الصارمة، وتطبيق العقوبات على المقصرين والمخالفين بل والمستهترين بأنظمة ولوائح الوزارة، فهذا أحد أهم عوامل نجاح الوزارة في المرحلة القادمة.
 
فعلى الوزارة أن تضرب بيد من حديد على أولئك المستهترين والعابثين بصحة المجتمع.. بالله عليكم كم مرة سمعتم عن حكم قضائي في سجن أو تعزير لطبيب أو ممرض أخل بمهنته أو أخلاقياتها؟ هل يعقل أن جميع كوادرنا بهذه المهنية العالية؟ هناك خلل فادح في الرقابة والمحاسبة بالوزارة، وهو ما يحتاج من وزير الصحة المكلف الوقوف أمامه مليا!!.  
 
دعوني أقولها بشفافية ووضوح، لقد كشفت"متلازمة الشرق الأوسط التنفسية" عورة بعض المستشفيات الحاصلة على شهادات اعتماد الجودة، وأظهرت حجم الخلل في ضعف الرقابة والمتابعة والمحاسبة، فإلى متى يظل الوضع هكذا؟!!.
 
وفي المقابل، فلا يجب أن يمر الحديث عن الرقابة والمحاسبة دون المرور على نظام تقييم الأداء الوظيفي للكوادر الصحية والإدارية، فهو نظام قديم بحاجة ماسة للتطوير والتحسين، حتى نقول للمسيء أسئت وللمحسن أحسنت!!.
 
أعلم يقينا أن مقالي هذا قد يزعج بعض العاملين بالوزارة، وقد لا يستوعبه البعض الآخر ويُنكره، وأتفهم ذلك مليا.
 
ولكن عذرا، فالطبيب أحيانا يحتاج لمبضع الجرّاح حتى يستطيع علاج الخلل!!، فهي قسوة المحب على حبيبه والمشفق عليه، ثم هي قسوة نحتاجها من أجل الوطن.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org