وزير الإعلام الجديد.. التخطيط الاستراتيجي أمام تحديات "الثقافة والإعلام"

وزير الإعلام الجديد.. التخطيط الاستراتيجي أمام تحديات "الثقافة والإعلام"
بروفايل "سبق"- محمد عطيف: في تجربته الوزارية الأولى وصف أنه "يأتي إلى الإعلام من تجربة غنية علمياً وعملياً، وأيضاً إنسانياً".. رجل التخطيط الاستراتيجي وبحار التنمية البشرية، الذي حل ضيفاً على المثقفين والإعلاميين، وأثار العديد من الاستفهامات لدى البعض ليشغل منصب وزير الإعلام.
 
تعيين الدكتور عبد العزيز الخضيري وزيراً للإعلام والثقافة في السعودية ربما لم يجد له البعض ربطاً بواقعه قبل ذلك، إلا أن ذلك حسب رؤية الخبراء هو اختيار عميق جداً، وتوجُّه مؤثر للربط بين جوانب عديدة، في مقدمتها النظرة نحو مفهوم الخبرة في التنمية البشرية، وربط ذلك بالخبرة الإدارية العميقة والتجربة الناضجة المتمثلة في تدرج متواصل بين مناصب إدارية، ولها ترابط وثيق بالتعامل مع الجانبَيْن الإعلامي والثقافي.
 
معالي وزير الثقافة والإعلام الجديد الدكتور عبد العزيز الخضيري يأتي بسجل حافل وراقٍ من الخبرة العلمية والعملية؛ فهو حاصل على شهادة الدكتوراه في التخطيط الاستراتيجي من جامعة لندن، وبرنامج الزمالة في التخطيط الإقليمي من جامعة MIT بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وماجستير في تخطيط المدن من الأخيرة نفسها.
 
وعلى صعيد الخبرات العملية، كان آخر محطاته قبل تعيينه وزيراً تنصيبه مديراً تنفيذياً لمشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام (تطوير). كما مر بمحطات لافتة جداً، مثل وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة، والأمين العام لهيئة تطوير مكة والمشاعر، ووكيل أمارة منطقة عسير، ووكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية المساعد لتخطيط المدن، ورئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم العمران، كما كان أستاذاً متعاوناً بجامعة الملك سعود ومعهد الإدارة العامة.
 
معالي الوزير أيضاً سبق له العمل في العديد من الدول العربية والأجنبية في مجال التنمية الحضرية والإقليمية والتخطيط الاستراتيجي، وكان عضواً في العديد من الجمعيات والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية، كما له العديد من المؤلفات والكتب والأبحاث في مجال التنمية، وهو أيضاً كاتب صحفي في شؤون التنمية والعلاقة بين بناء الإنسان وتنمية المكان.
 
- تجربة استثنائية:
الدكتور الخضيري التصقت تجربته العملية بتجربة استثنائية، متمثلة في عمله خلال محطات عديدة مع الإداري العريق والخبير صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم الحالي، مكنته - بلا شك - من حضور متميز في مجاله، وقرب من مجالس صنع القرار والمشاركة فيها.. فتحصيله العلمي وخبرته العملية وتنوعها المثري تقدمه بوصفه شخصية متنورة في مجال مواجهة ومعالجة إشكاليات الشأن العام، من خلال التنقل بين مؤسسات حكومية مدنية وعسكرية عدة في غاية الأهمية والحساسية، إضافة لحضوره دولياً من خلال رئاسته مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم العمران والمدير الفني لمشروع الأمم المتحدة للتنمية الفنية.
 
عن الوزير الجديد يقول د. زهير كتبي: "هذا الرجل كتلة من الطموح، وحزمة من الإنجاز، ويحمل في عقله حزمة من التحديات. رجل انضباطي في عمله، وكأنه عسكري. مسؤول ميداني عنيد وصلب، يتعب من يعمل معه، وهو منظم وهادئ في حديثه وإجراءاته، ومحاور قوي ومقنع.. ثقافته عالية، ورؤيته للأمور والقضايا صافية".
 
لمعالي وزير الإعلام الجديد حضور وارف في الكتابة الصحفية من خلال صحيفة "الاقتصادية". ومن خلال هذه المقالات يمكن قراءة رؤيته عميقة في مجالات عديدة. فهو يكتب كثيراً عن التنمية الوطنية مؤكداً أن "إدارة التنمية لا تنجح إلا عندما تتوافر لها مختلف المقومات المادية والبشرية. ويعد العنصر البشري المفتاح الحقيقي لتحقيق التنمية وانتشارها، ووصول خيرها إلى مختلف فئات المجتمع ومناطقه بشكل متوازن".
 
د. الخضيري قارئ عميق لمجريات الوطن، ويرى "وجوب وجود رؤية تنموية وطنية، تنطلق من سياسة الدولة لتحقيق السعودة الإبداعية لسوق العمل، ثم يتولى كل قطاع من قطاعات الدولة الخمسة، الممثلة في القطاع الحكومي والخاص والأكاديمي والإعلام ومؤسسات المجتمع المحلي، القيام بواجبه نحو تنفيذ هذه الاستراتيجية".
 
- "السعودية تجمعنا..":
 الدكتور الخضيري عاشق كبير للبحث والتطوير، ويرى ضرورة "التحول إلى مفهوم التنمية بكل أبعادها، الاجتماعية والاقتصادية والبنية التحتية والإنسانية ومستوى الخدمات، وغيرها من متطلبات مستوى معين من الحياة اليومية"، وذلك من خلال "وضوح الرؤية والأهداف الوطنية، وترجمة ذلك إلى مشاريع محددة الهدف والمستهدف والزمن والتكلفة لخدمة إنسان ومكان السعودية، مع عدم إغفال حقوق المقيمين على أرضها ممن يعملون في دفع عجلة البناء والتنمية".
 
والهدف لدى الدكتور الخضيري هو "تعزيز وتقوية البناء الداخلي لإنسان السعودية، واستخدام مختلف الوسائل المتاحة، وخلق وإيجاد وسائل أخرى، تساعد على دعم ذلك البنيان حتى يصبح البناء بناء مشتركاً بين مختلف أطياف وقطاعات الدولة، وعدم ترك الحكومة وحدها تصارع في الاتجاهات وتتقبل مختلف أسهم النقد".
 
ويرى معالي وزير الإعلام الجديد ضرورة "الاهتمام ببناء الفكر الإداري المؤمن بأهمية الوطن، وتقوية وتعظيم دوره وحقه، ومقابل ذلك تقزيم (الأنا) داخل كل قيادي سوف يغير - بإذن الله سبحانه وتعالى - كثيراً من شكل ورؤية واستثمار مخرجات التنمية وتحقيق حلم التنمية المستدامة".
 
الوطن لدى الوزير الجديد "السعودية خط أحمر"، من خلال "تقوية وتعزيز الولاء والانتماء الوطني، وغرس مفاهيم حب الوطن بالقول والفعل والعمل، وأن يعرف كل واحد منا دوره ومسؤوليته نحو وطنه ومواطنيه، وألا يؤتَى وطننا من خلال أحد منا، مهما كان الثمن".
وفيما بدا كشعار له "السعودية تجمعنا" يقول د. عبدالعزيز: "إن ما تعيشه اليوم السعودية من توجه نحو بناء أكثر وضوحاً لمستقبل الدولة، والتشديد على تلاحمها ووضوح رؤية قيادتها لمتطلبات المستقبل، وحرصها على أن تبقى السعودية هي الجامعة والمانعة لكل من يحاول الإساءة للإسلام والمسلمين بأي شكل من الأشكال مهما تطلب ذلك الأمر من إجراءات".
 
- ملفات تنتظر معالي الوزير:
* وما أكثرها.. وكما يرى المتابعون، لا شيء أكثر صعوبة من التعامل مع تطلعات المثقفين، ورؤى الإعلاميين. ومنذ أن أُعلن تعيين وزير الإعلام الجديد بدأت تظهر المطالبات من جديد، التي جمعها تقرير صحفي في بروجراف، تمثلت في: "تحسين البيئة الإعلامية وتنظيمها، تطوير القنوات السعودية بما يؤهلها لمنافسة الإعلام الخارجي، تفعيل الجانب الثقافي، تطوير الأندية الثقافية، إنشاء مراكز ثقافية في الأحياء، تكثيف البرامج الإعلامية التوعوية، بناء كوادر إعلامية، تنظيم العمل الصحفي، محاصرة الأقلام المتعصبة، الرقابة على الإعلام الفضائي، فتح المجال لدور السينما لتكون متنفساً للمجتمع بشرائحه كافة، وضع قواعد لممارسة الإعلام، تنظيم إعلام وسائل التواصل الاجتماعي، حماية الوسائل الإعلامية من خلال منع سرقة المقالات والأخبار، تكريم رواد الإعلام ورجال الصحافة، تطوير وتحديث منهجية وآلية عمل منظومة الإعلام السعودي بشكل عام، تسجيل الصحفي المتعاون ضمن أعضاء هيئة الصحفيين السعوديين، منح الأديب السعودي مزيداً من الاهتمام عبر (الأندية الأدبية واتحاد الكُتّاب وصندوق الأدباء)، إنشاء دور نشر تهتم بطباعة ونشر وتسويق نتاج الأدباء الشباب".
 
- فصل الثقافة عن الإعلام:
غير أن أبرز المطالب هو ما يراه المتابعون خارجاً عن نطاق صلاحية الوزير، وهو ما نتج أيضاً من توصيات لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشورى، بفصل نشاط "الثقافة" عن نشاط "الإعلام" في وزارة باسم "وزارة الثقافة"، وتوصية "لإلزام قنوات البث الإذاعي الخاصة بالتوقف عن عمل مسابقات الحظ واليانصيب".
 
ولعل تلك التوصيات قد تكون من أبرز ما سيكون على أجندة الوزير، وهي من ضمن توصيات وضعتها اللجنة على أحد التقارير السنوية للوزارة، مطالبة أيضاً بتشكيل مجلس أعلى للثقافة في السعودية، تكون مهمته صياغة سياسة السعودية الثقافية، والإشراف على تطبيقها، وإنشاء هيئة وطنية للكتَّاب، مع دعمها بالميزانية الكافية والأطر الوظيفية المناسبة، وأيضاً توفير مزيد من الحرية المهنية للإعلام السعودي، بما يمكِّنه من منافسة الإعلام الأجنبي.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org