برنامج التقويم المستمر.. إلى الأمام سر

برنامج التقويم المستمر.. إلى الأمام سر
تم النشر في
تابعتُ ما نُشر في صحيفة "جوف الإلكترونية" بتاريخ 9/ 2/ 1435هـ، وجاء فيه: "أكد مصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم أن وزارته ستحسم مصير برنامج التقويم المستمر في المرحلة الابتدائية في ذي القعدة المقبل لهذا العام 1435هـ، وذلك بناء على توصيات ورشة العمل الموسعة التي تنظمها الوزارة للمختصين في هذا المجال، مشيراً في هذا السياق إلى الانتقادات التي تعرض لها البرنامج في السنوات الأخيرة، وتتركز على ضعف مستوى تحصيل الطلاب لغياب الاختبارات الجدية وعدم إدراك المعلمين لآليات التطبيق".
ولا أخفيكم أنني أُصبت بالصدمة للوهلة الأولى عند قراءتي التصريح؛ لأنني متابع لما يُنشر في وسائل الإعلام من حين لآخر عن الحاجة الملحّة لتطوير برنامج التقويم المستمر في المرحلة الابتدائية، الذي تجاوز تطبيقه تسع سنوات؛ ما يوفر له البيئة المناسبة لاستمراره بشكل قوي وناجح. ومن وجهة نظري، لو كان للقرارات من تصنيف، حسب أهميتها، لكان لقرار البدء في تطبيق برنامج التقويم المستمر للمرحلة الابتدائية أهلية الحصول على القرار رقم "1" من حيث الأهمية؛ لأنه قرار يمس أهم شرائح المجتمع (شريحة الأطفال)؛ إذ إنهم يمثلون اللبنة التي سيقوم عليها بناء جيل بأكمله - بإذن الله سبحانه وتعالى - ليقود فيما بعد؛ وبالتالي فإن عملية التطوير لا يمكن أن تكون سهلة، وعملية بهذا الحجم لا ينبغي أن تتم بسرعة مخلة. ودعوني أكون أجرأ في الطرح وأقول: إننا مللنا أن يكون أبناؤنا من الجنسين حقول تجارب لمنظري الوزارة؛ فلأكثر من عقدين من الزمن لم يتح لأي منهج أو نظام أن يأخذ حقه من التطبيق بشكل علمي، أو يقوَّم أيضاً بشكل علمي.
 أذكركم فقط بالمعاناة التي سبقت تطبيق نظام التقويم المستمر ــ وجزى الله كل من ساهم في تطبيقه خيراً. نعم، الكل يتذكر معاناة الطفل في المرحلة الابتدائية حينما كان يذهب للامتحان وهو لا يعرف ما معنى الامتحان، وما كان يصحب ذلك من توتر وهلع عند الوالدين لما سيواجهه طفلهم.
 ومما يؤسف له أن مناهجنا في جميع مراحل التعليم، بما فيها الكتب الدراسية التي تُقرَّر منهجاً على طلبة الجامعات، تخلو مما يسمى عند التربويين بالأهداف المرجوة من دراسة الكتاب المقرر، التي يتطلب أن يدركها الطالب، ويتسلح بها كمعلومة في نهاية الفصل الدراسي، ومنها تتشكل أسئلة التقييم النهائي، وبذلك يتحقق الهدف من وضع هذا الكتاب مقرَّراً لمادة دراسية؛ وهو ما جعل المعلم يلزم الطالب بالكتاب (من الجلدة إلى الجلدة) مروراً بالأنسجة والخلايا، وهذا ما جعل العملية التعليمية قائمة على الحفظ، ولا شيء غير الحفظ.
 سؤال يحيرني منذ أن كنت طالباً حتى اليوم، الذي أصبحت فيه أباً لأولاد وبنات، جميعهم ملتحقون بالتعليم: ما الهدف من دراستنا لمادتي الرياضيات والفيزياء؟ هل هو فقط حفظ جدول الضرب، وقوانين الحركة والاحتكاك، حفظناها، وماذا بعد؟ اختراع الكمبيوتر؟ لم نفعله، تطوير الكمبيوتر؟ لم نصل إليه، حتى حلم السيارة السعودية (غزال) تبخر في أروقة جامعة الملك سعود، فقط أريد الجواب. كل ما أعرفه أن أعظم ما يفعله عباقرة الرياضيات في العالم العربي هو التدريس في الجامعات أستاذاً دكتوراً، وما يؤهلهم للدرجة ليس الابتكار، وإنما ثلاثة أبحاث محكمة أو أكثر قليلاً، ولا غير، وغالبيتهم غير معروفين على المستويات الوطنية، فضلاً عن المستوى العالمي. وما يثبت كلامي مرور الجوائز العالمية على جامعتنا مرور الكرام دون أن نسجّل حضوراً في أي منها. نحن نعيش بدون أهداف معرَّفة، بمعنى لا نعرف ماذا نريد، ولكننا نريد أن نكون، وهما أمران مختلفان تماماً؛ لأنك عندما تعرف ماذا تريد لا تجد عناءً في البحث عن أقرب الطرق للوصول إليه، ولكن عندما تريد أن تكون تبدأ الدخول في مرحلة أحلام اليقظة التي لم نصحُ منها حتى الآن، ولم نصل من خلالها لما نريد، ففي الأولى عليك العمل، بينما في الثانية لا يلزمك سوى الاسترخاء، وتبادل التهم للتنصل من تحمُّل المسؤوليات.
 إن نظام التقويم المستمر يجب أن يخضع لآليات تختلف تماماً عن النظام التقليدي القائم على التلقين والحفظ، ومن ثم تفريغ ما حفظه الطالب على ورقة الإجابة، فالطبيعي أن يستدعي الطالب المعلومة متى ما استوعبها فهماً لا حفظاً؛ وهذا يتطلب إخضاع المعلمين لدورات عالية المستوى لتأهيلهم في مجال التعامل الكيفي مع برنامج التقويم المستمر، وإخضاعهم لعمليات تقويم على مدار العام للتأكد من أنهم استوعبوا البرنامج تماماً، ومن يخفق منهم ينظر في أمره. يجب أن يتم هذا الأمر بكل جرأة ووضوح؛ فلا مجاملة على مستقبل جيل بأكمله، كما يجب (تطمين) الطلاب وإفهامهم بأن الدراسة ليست هي الطريق الوحيد أمام الإنسان لكي يعيش كريماً، وإنما الإنسان هو من يختار، والمهني المنتج أفضل من عالِم عاطل، يتطفل على الآخرين، ويرتقي على أكتافهم، وغرس مفهوم المواطنة الصالحة كسلوك ممارَس من خلال العملية التعليمة بدلاً من أن تتحول إلى مادة تُدرس مقرَّراً، وعلينا أن نرفع "لا" في وجه التلقين، الذي يحوّل الطالب إلى أداة تعمل منذ السابعة متنقلاً من حصة لأخرى ومن درس لآخر ومن معلم لآخر، دون هدف.. وبذلك نقصي الملخصات والدروس الخصوصية، أو نحد منها بشكل كبير.
وتظل العملية التعليمة هي هاجسي الوحيد، ونقدها يأتي من باب الحرص على فلذات الأكباد، واستشعاراً مني بالمسؤولية الاجتماعية تجاه وطني وأبنائه، واستجابة لما يمليه عليّ ضميري، بوصفي أباً كان شاهداً على العصر، ويؤلمه أن تمر السنون ونسجّل هذا التراجع والانحسار في التعليم، ونحن ننعم بكل معطيات الرخاء والاستقرار.. حتماً نحن المجتمع والوطن نستحق أفضل من ذلك بكثير.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org