الماء مصدر الحياة، وبدونه يتوقف كل شيء. ولدينا في السعودية شح هائل في هذا المصدر المهم؛ بسبب عدم وجود موارد طبيعية، كالأنهار أو البحيرات التي تشكّل رافدًا، نستطيع الاستفادة منه، وتغطية احتياجاتنا اليومية المتزايدة من الماء. ولكي نغطي هذا النقص ننفق المليارات على تحلية مياه البحر، التي تعتبر من أغلى الموارد تكلفة، وترهق ميزانياتنا سنويًّا بدون أية عوائد تغطي ولو جزءًا بسيطًا من الإنفاق؛ لأن أغلب تكلفة الفاتورة مدعومة من الدولة.
لو تحدثنا بصراحة قليلاً، وبالذات مع انخفاض النفط، أو لا قدر الله تعرضنا لحروب خارجية، هل نستطيع الاستمرار في دعم أو إنشاء محطات التحلية (التي لا تعيش طويلاً)، ولا بد من تجديدها كل خمسة عشر عامًا؟ بالتأكيد الجواب "لا". إذن، من أين نأتي بهذا المورد المهم لو توقفنا عن إنشاء ودعم المحطات؟ سؤال لا بد أن تكون إجابته حاضرة.
إحقاقًا للحق، الدولة منذ عشر سنوات تحركت بجدية لهذا الموضوع، وبالأخص عندما اكتشفنا النقص الهائل في مخزون المياه الجوفية، الذي بدت آثاره واضحة في جفاف أو تناقص العديد من العيون، مثل عيون الأفلاج التي كانت بحيرات تسر الناظرين، ثم اختفت تمامًا، وكذلك عيون الخرج التي كان الماء ينبع منها، ثم تحولت إلى آبار سحيقة، لا تستطيع استخراج الماء منها إلا بعد مئات الأمتار من جوف الأرض، وأيضًا عيون الأحساء المشهورة بكثرتها، التي تناقصت، ولم يتبق منها إلا القليل. (غور) هذه العيون وغيرها في بقية مناطق السعودية يؤكد أننا على وشك الهاوية إن لم نتدارك الأمر بشكل سريع؛ فلا يمكن لأي مجتمع أن يعيش على تحلية المياه؛ ولذلك فإن التحرُّك السريع منذ ما يقارب عشر سنوات بإيقاف زراعة القمح، الذي يعتبر المهدد الأول للماء، جاء في وقته، ومن ثم تبعه قرار إيقاف زراعة الأعلاف التي شكَّلت مصدرًا بديلاً للقمح، اعتمد عليه المزارعون.
في رأيي، إن هناك مصدرًا آخر يهدد مواردنا المائية، يجب إيقاف زراعته، والاكتفاء بالموجود منه، وهو (النخيل)، الذي تتجاوز أعداده لدينا الـ28 مليون نخلة وأكثر من 400 صنف، ولا نحتاج 80 % من أصنافها؛ إذ لم يعرف أجدادنا إلا خمسة عشر أو عشرين صنفًا فقط، والباقي جاء إلينا من مجتمعات أخرى، مثل العراق الذي لا يعاني شحًّا في موارده المائية؛ ولذلك انتشر لديهم زراعة النخيل بأنواعه المتعددة. ومشكلتنا مع النخيل أنه أصبح مصدرًا للفخر، وليس للحاجة؛ فالكثير يتفاخر بأن لديه عددًا هائلاً من النـخيل، سواء في استراحته أو مزرعته، بالرغم من علمه أنه يفـوق احتياجاته.
ما ينطبق على النخيل في منطقة نجد والأحساء ينطبق على زراعة الزيتون والموالح في شمال السعودية، وبالأخص منطقة الجوف، التي تشكل هدرًا مائيًّا، ربما يصل مع الوقت إلى ما يشبه الكارثة؛ فأعداد أشجار الزيتون هناك تتجاوز الـ15 مليون شجرة، وبالرغم من كثرتها لم أشاهد من ثمارها في أسواقنا شيئًا، وكل ما شاهدته هو زيت الزيتون فقط، ولا أعلم هل يتم تصدير الثمرة أم لا؟ وهذه كارثة؛ فنحن للماء أحوج من تصدير الزيتون.
أعتقد أن البلدان المجاورة تصدّر لنا من ثمراتها وخيراتها الكثير، وبأرخص الأثمان؛ فلماذا نستنزف ثرواتنا المائية؟