هذا الحر الذي تصطلي به أجواؤنا الآن (ومنذ مدة) لم يمر علينا منذ سنوات، حسب رأي المختصين، وكذلك المعانون! أما المختصون فتعرفونهم. أما المعانون فهم ليسوا من الطيور المهاجرة التي بحثت عن النسمات الباردة أو السياحة الشائقة، بل الذين قُدِّر عليهم أن يعملوا (ويداوموا) يوميًّا، ويعودوا لبيوتهم في عز الظهيرة.. ولا تسل عن سطوع الشمس في وجوههم (وتكلحها)، وقد بلغ شعورهم بالحرارة منتهاه، وخارت قواهم تمامًا، وكأن درجة الحرارة وصلت للغليان.. وإذا اجتمع معها الغبار وقِطَع من السحب المرتفعة صار الجو خانقًا جدًّا؛ وبالتالي تكاثرت أمراضهم بين مكيف السيارة ولهيب الشمس، وجعلوا يذوون ببطء، فلا يملك أحدهم أن يرفع بصره للسماء حيث شمس الوطن شديدة السطوع، لكن يمكنه أن يدعو من قلب (نعوذ بالله من حر جهنم وزمهريرها). ولا أشك أنه يدعو أيضًا بأن (يحنن) قلب المسؤولين عليه، خاصة الذين هم من السرب الأول المقلع خارج الحدود قبل اشتداد الحر! فيلتفتوا لهؤلاء الضعفاء الذين لسبب أو لآخر لم يتنعموا على الأقل في بيوتهم تحت أجهزة التكييف، وصار خروجهم حتميًّا لأعمالهم رغم قلة العمل في مثل هذا الوقت من العام، وليس لهم إلا الصبر (ومراقبة سنابات الأقرباء والأصدقاء السياح!! في حين هم يسيحون من الحر!).
المطلوب طبعًا بعد كل هذه المقدمة الطويلة، التي تبتغي الإقناع!! من خلال هذا التساؤل الملحّ الذي يتردد كثيرًا:
لماذا لا يُمنح الموظفون إجازة حر هذه الأيام؟ (أسوة بإجازة المطر والعواصف الرملية والأعاصير والثلج!)؛ كونه من الأخطار التي يجب حماية الأنفس منها، واتباع مبدأ السلامة أولاً؟ كما أن جهد الموظفين سيقلُّ على أية حال بالنظر لتأثُّر حالتهم النفسية بتأثير الحر، وهناك أعمال يمكن تأجيلها، وليس لها علاقة بالمواطن مباشرة، أو يكون العمل بالتناوب بين الموظفين؛ فيقلُّ تعرُّضهم للحر والشمس، ومراعاة الذين يعانون أمراضًا، تشتد في مثل هذه الاجواء؟ ولا أجمل من العمل في البيوت، وقد مَنَّ اللهُ تعالى علينا بالتقنية العجيبة، ونحن نخطو بتسارع نحو الدولة الإلكترونية؛ فيمكن للموظف إنجاز أعماله من بيته، أو من موقعه في أي مكان بالعالم! وما أكثرها الأعمال التي لا تتطلب حضور الموظف، بل تسليمه إنجازه، وهو ما تنتهجه بعض الدول بغير سبب، وكأسلوب إداري له إيجابيات كثيرة، ليس هذا مجال ذكرها. كذلك الطلاب الذين يدرسون في الصيف يوجد اختراع يسمى الفصول الإلكترونية وهم في بيوتهم، وهي سهلة جدًّا حال توافر الإنترنت. وبمناسبة ذكر الطلاب، فالأعمال التي ترتبط بالطلاب والمدارس، ومع هذه الإجازة المطولة، لن يكون غياب الموظفين والموظفات مؤثرًا جدًّا فيها.
من الحلول الرحيمة والمؤثرة أيضًا تغيير مواعيد الدوام وتقليلها؛ فتبدأ في السادسة صباحًا، وتنتهي في الحادية عشرة قبل اشتداد الحر ووقت الظهيرة؛ إذ تحذرنا مصلحة الأرصاد عادة بأخذ الحيطة والحذر من فترات الذروة من الـ12 مساء إلى الـ3 عصرًا، مع توقعاتهم بارتفاع درجات الحرارة واستمرارها حتى نهاية شهر أغسطس - بمشيئة الله تعالى -. وهذه السويعات الخطرة التي حُذِّر منها هي فترة خروج الموظف (الغلبان) لبيته (متلثمًا شماغه)، يجاهد في الإمساك بمقبض باب سيارته الساخن! ولا يحتاج وصف معاناة الموظفة لكثير ذكاء لتصوُّر حالها البائس أيضًا.
أخيرًا، من إيجابيات تطبيق أحد الاستعطافات السابقة أن تخفَّ الأحمال على الكهرباء، وزحام الطرقات، ويبتهج المواطنون؛ لأن هناك مَنْ يشعر بهم، ويقدِّر جهودهم.