"إعصار ترمب" يعصف بالمصداقية الإعلامية الأمريكية ويحوِّلها لنكتة مضحكة

تمكّن من تغيير المفاهيم والمعتقدات كافة.. وأثبت انفصالها وبُعدها عن الواقع
"إعصار ترمب" يعصف بالمصداقية الإعلامية الأمريكية ويحوِّلها لنكتة مضحكة
تم النشر في

تسبَّب فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب في إحداث إعصار، عصف بمصداقية وسائل الإعلام الأمريكية والإعلام الناقل عنه عربيًّا وإقليميًّا؛ إذ تمكن هذا الإعصار في ليلة واحدة من تغيير كل المفاهيم والمعتقدات عن طهارة الإعلام الأمريكي، الذي وقف ضد ترمب في الانتخابات التي أُقيمت الأسبوع الماضي.
 
وأثبت طوفان الانتخابات الرئاسية أن الإعلام الأمريكي منفصل تمامًا عن الواقع، كما اختار أن يزيد من الهوة العميقة بينه وبين هموم الهامشين من البيض، ولم يتنبه لفقدان خمسة ملايين شخص وظائفهم ومنازلهم، أو المتضررين من قانون الرعاية الصحية المسمى أوباما كير، خلال فترة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما.
 
كابوس الانفصال
إن أسوأ كابوس لأي وسيلة إعلامية هي تهمة انفصالها عن الواقع، أو أنها لا تعكس حقيقة ما يجري في الشارع. وهذا ما انطبق على الإعلام الأمريكي؛ إذ ظهرت بوادر غيابه عن الواقع مبكرًا، أي بعد الاستطلاع الأمريكي الأخير، الذي كشف عن تراجع ثقة الأمريكيين بوسائل الإعلام إلى أدنى مستوى لها في تاريخ استطلاعات الرأي.
وقد أظهر الاستطلاع، الذي أجرته مؤسسة "غالوب"، أن ثقة الأمريكيين بوسائل الإعلام، أو أولئك الذين يثقون بالإعلام ونزاهته، تراجعت إلى 32 % فقط، وهو الأدنى في تاريخ الاستطلاعات التي تجريها المؤسسة.
 
تراجع الثقة
ووفقًا للمحلل آرت سويفت في مؤسسة "غالوب"، فإن هذا الاستطلاع يبيّن أن ثقة الأمريكيين بالإعلام تراجعت بنسبة 8  % عما كانت عليه العام الماضي، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "الواشنطن بوست".
وقال سويفت إنه على مدى التاريخ المتعلق بهذا الأمر بلغت ثقة الأمريكيين بإعلامهم أعلى نقطة لها عام 1976؛ فوصلت ثقتهم حينذاك إلى 72  %، وذلك مع انتشار نماذج من الصحافة الاستقصائية المتعلقة بحرب فيتنام، وفضيحة "وترجيت"، غير أن هذا التوجه آخذ في التراجع بشكل بطيء وثابت، وبلغ النصف (50  %) في العام 2007.
وكان الجمهوريون الأقل ثقة بوسائل الإعلام الأمريكية؛ إذ تراجعت نسبة من يثقون بالإعلام إلى 14 % من بين أولئك الذين يثقون بوسائل الإعلام الأمريكية، وهو أدنى مستوى ثقة للجمهوريين بوسائل الإعلام منذ 20 عامًا، بحسب موقع مؤسسة "غالوب".
 
مصداقية الاستطلاع
شككت كثير من وسائل الإعلام الأمريكية بهذا الاستطلاع، أو بالأحرى وصفته بأنه يحمل مبالغات واضحة، ولم تأخذه على محمل الجد فيما يتعلق بتغطيتها للانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبدلاً من الحياد اصطفت معظم وسائل الإعلام الأمريكية بجانب الديمقراطيين، خاصة مرشحة الرئاسة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون رغبة وطمعًا في مناصب صحفية في البيت الأبيض.
ووجهت هذه الصحف سهامها المسمومة تجاه الرئيس دونالد ترمب؛ فنبشت في حياته الشخصية، ونقبت في سجلاته ومقاطع تسجيله، وفضحت قصصًا منسية، وشوهت مسيرته، ولم تسلم زوجته وطليقته، كما قدمت استطلاعات رأي مخالفة عن الواقع أو مستفزة، وانبرت كبريات الصحف والمجلات الأمريكية بافتتاحيات مذلة لدونالد ترمب، وطالبت الأمريكان بالتصويت لكلينتون كاسرين عرف الحياد الذي لطالما تلونت به هذه الأدوات الإعلامية، كما وصفها ترمب.
 
نتائج عكسية
كل تلك الأحداث كانت كفيلة بإسقاط أي رئيس أو مرشح للرئاسة في أمريكا، لكن على العكس، جاءت هذه الهجمة بنتيجة معاكسة تمامًا على المتلقي الأمريكي، الذي خرج لينتخب دونالد ترمب، وبأغلبية ساحقة وغير مسبوقة؛ لأنه ببساطة لم يعد يثق بهذه الأدوات الإعلامية، موجهًا صفعة لهذا الإعلام الذي بدا ضعيفًا منذ ليلة الثلاثاء الماضي، ومرتبكًا، ويعيش على وقع الصدمة التي وصفها مراقبون بالزلزال الإعلامي، قبل أن يكون زلزالاً انتخابيًّا.
 
مراجعة الذات
اعترفت صحيفتا نيويورك تايمز الأمريكية ذات التوجه الليبرالي والواشنطن بوست ذات التوجه اليميني بالسقوط الكبير في وحل الانتخابات الأمريكية، وحاولتا التبرير لهذا السقوط.
فمن جانبها، اعتبرت مارغريت ساليفان، الكاتبة حول قضايا الإعلام في صحيفة واشنطن بوست، حملة عام 2016 فشلاً ذريعًا للإعلام الإخباري.
 
 وقالت ساليفان: أقولها بصراحة، وسائل الإعلام أخطأت. لافتة إلى أنه اتضح أن عددًا ضخمًا من الناخبين الأمريكيين يريد أمرًا مغايرًا. ورغم أن هؤلاء الناخبين عبّروا عن ذلك بالصراخ والهتاف لم يكن الصحفيون في غالبيتهم يصغون إليهم.
 
أساءت التفسير
 وتساءلت: هل صنع الصحفيون ترامب؟ وتجيب: بالطبع لا، ولكنهم ساعدوه كثيرًا عبر تغطيتهم المكثفة لخطاباته وقضاياه، وبتسريبات إيميل هيلاري كلينتون.
أما جيم روتنبرغ، الكاتب حول قضايا الإعلام في نيويورك تايمز، فقد أقر بأن غالبية المؤسسات الإخبارية أساءت تفسير النبض المعقد للبلاد، مضيفًا بأن إخفاق مساء الثلاثاء يتجاوز بكثير الخلل في الاستطلاعات، ومفيدًا بأنه كان فشلاً في رصد ثورة الغضب لدى قسم كبير من الناخبين الأمريكيين الذين شعروا بأنهم تعرضوا للإهمال في تعافٍ انتقائي، وللخيانة في اتفاقيات تجارية، يعتبرونها تهديدًا لوظائفهم، وقلة احترام من طبقة سياسية تقليدية في واشنطن وعالم الأعمال والإعلام عامة.
 
أكثر المتضررين
أما أكثر المتضررين من هذه الانتخابات فكانت صحيفة نيويورك؛ إذ فقدت الكثير من مصداقيتها، وبدت أكثر انفصالاً عن الواقع. وطوال الأشهر الماضية وضعت الصحيفة على صدر صفحتها الأولى استطلاعًا، يوضح فرص فوز هيلاري كلينتون بنسبة تجاوزت 88 %، بينما وضعت 12  % نسبة فوز دونالد ترمب، وخرجت في افتتاحية اليوم التالي مرتبكة، وتشير إلى احترام رأي الناخب الأمريكي، ووصفت انتخاب ترمب بغير المتوقع.
 ثم صبت في تقرير آخر جام غضبها على الحزب الديمقراطي محذرة من أن غيابه عن الانتخابات الرئاسية قد يستمر 20 عامًا إذا لم يستمع إلى مطالب فئات واسعة، تعتبر مهمَّشة، التي فشل هذا الحزب في تمثيل أصواتها.
 
الإعلام العربي
الخلاصة: إن إعصار ترامب عرَّى الصحافة الأمريكية، وتسبب بانكسارها أمام المواطن الأمريكي، الذي تأجلت ثقته أصلاً بهذه الوسائل. وعلى عكس المواطن الأمريكي، يعتبر الإعلام العربي وسائل الإعلام الأمريكية – وللأسف - مصدرًا أساسيًّا، وذات موثوقية، وتستقي منه قنواتنا الإخبارية وصحافتنا العربية عناوين رئيسية، تتناول فيه الشأن الداخلي للدول العربية والخليجية، في ظل غياب المعلومة الصحيحة من قِبل هذه الحكومات، التي بدورها - ومن غير قصد - تدفع المواطن البسيط القلق على مستقبل بلاده إلى أن يبحث عن تساؤلات، لا يجد أجوبة عنها إلا على صدر صفحات هذه الصحف الأجنبية؛ ليجدها مشوهة وغير حقيقية، تؤدي إلى تسميم فكره تجاه وطنه، أو قضية تهمه.


أبعد من ذلك، كشف إعصار ترمب أن الإعلام أصبح ذا تأثير محدود، كما أن مستقبل الصحافة بات محل شك، وخصوصًا مصداقيتها؛ وذلك نظرًا لاتساع الفجوة بين النُّخب والمثقفين وآرائهم في الصحف، واحتياجات الشارع الحقيقية ومطالب المجموعات المنسية في الأرياف والأحياء الجانبية. 
 

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org