قبل فترة وجيزة تداول ناشطون وبتقدير كبير عبارة قالها أمير منطقة حائل الجديد الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز آل سعود رافضاً تداول عبارة "بيّض الله وجهك" من قبل المراجعين وتوجيهها لموظفي ومنسوبي إمارة المنطقة. ومؤكداً في مقطع فيديو على يوتيوب: "لن أسمح لأي مراجع أن يشكرني أو يقول بيض الله وجهك، أنا آخذ راتباً من هذه الدولة مقابل ما أقوم به. أنا واحد منكم وفيكم وأنا أخوكم".
هذه الإيجابية التي اُستقبل بها مقطع الفيديو ربما توحي بالعديد من الإشارات حول تطلعات المواطنين لمعالجة طلباتهم، خصوصاً في إمارات المناطق التي تعد الشريان الرئيس للكثير من الخدمات الحكومية التي تهم المواطن حيث قد تكون الإمارة ومجلس الأمير وجهة الحسم والإنصاف بالنسبة له.
مهام رئيسة:
ومن المعروف أن أمير المنطقة مهمته تمثيل خادم الحرمين الشريفين في المنطقة. والتأكد من تحقيق سير العدالة والأمن في المنطقة. وصولاً للتأكد من كفاءة وفاعلية الخدمات التي تقدم لمواطني المنطقة. وتلقي شكاوى واستدعاءات المواطنين والنظر في أمورهم والعمل على تلبية مطالبهم وحل مشكلاتهم وتطبيق سياسة الباب المفتوح التي تنطلق من المادة الثالثة والأربعون في النظام الأساسي للحكم حيث "مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن ولكل من له شكوى أو مظلمة ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض له من الشؤون".
نواب جدد = آمال جديدة:
من زاوية أخرى حملت الأوامر الملكية السامية مؤخراً دفع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – بالعديد من الأسماء الشابة ليكونوا نواباً لثمانية من أمراء المناطق. وهو أمر رأى فيه الخبراء حراكاً مميزاً لضخ كوادر جديدة شابة قادرة على إضافة الجديد في مجال الخدمات التي تقدمها تلك الجهات. ومن المؤكد أن هذه الثقة الملكية تنتظرها ملفات مهمة نحو تحقيق طموحات القيادة، بما يتواكب مع الرؤية السعودية 2030والعمل على تحقيقها.
جهود مشكورة:
حالياً وفي الإعلام اليومي الكثير من الأخبار التي تتعلق بكفاءة الخدمات المقدمة في إمارات المناطق إلا أنه وبرغم ذلك مازال "الصراخ على قدر الألم" حاضراً.
الإنصاف يقتضي القول إن جهود إمارات المناطق في مجال التواصل عن الجمهور لافتة جداً وخاصة في مجال (الخدمات الإلكترونية)، التي تندرج تحت مشروع (ريادة) الذي انطلق إبان عهد الملك عبدالله -رحمه الله وغفر له - لتطوير العمل بإمارات المناطق وتُشرف عليه وكالة وزارة الداخلية لشؤون المناطق.
وبالنظر إلى برنامج (ريادة) فهو يتضمن خمسة مشروعات رئيسة هي: (الإستراتيجية والحوكمة، وتقنية المعلومات, والموارد البشرية، والاتصال المؤسسي، ومتابعة التحوّل والتغيير) وهو هدف يفترض أن ينتهي بتحقيق مفهوم (الإمارة الذكية).
منظومة ريادة:
وتشمل منظومة (ريادة) التي جرى تدشينها، حزمة من الخدمات الإلكترونية التي تُقدمها إمارات المناطق للمواطنين والمقيمين عبر بوابة وزارة الداخلية للخدمات الإلكترونية (أبشر)، وتشمل (33) خدمة إلكترونية، منها (18) خدمة للمواطنين، و(15) خدمة للمقيمين، وتُمثّل المرحلة الأولى من برنامج (ريادة)، ومن شأنها تعزيز التواصل مع المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، وتطوير الخدمات لكافة المستفيدين.
مصير "التوجيه" وغياب المؤشرات !:
حالياً تستحق جهود أمراء المناطق في الاستقبال الدوري اليومي أو الأسبوعي للمواطنين كل التقدير كما أن بعض الجلسات لاستقبال المواطنين تتكرر لأيام، وأحياناً لمرتين في اليوم الواحد في بعض تلك الإمارات. هذا فيما حققت بعض الإمارات الأخرى جوائز في مجال خدماتها الإلكترونية في مسابقات قد لا تقيس مؤشر الإنجاز للمستفيد النهائي بقدر ما تقيس قدرات التخزين وآليات استقبال المعاملات والخدمات الذاتية.
إن استحداث أي مؤشرات يجب أن تؤكد على نتائج تصب في صالح أن توجيهات أمير المنطقة لم تتوقف عند الظهور على صفحات الإعلام بل أن تكون نُفذت وليس أن مصيرها كان الحبس في أحد أدراج موظف في إحدى البلديات الفرعية على سبيل المثال لا الحصر.
كما أن تطوير آليات التواصل مع الجمهور هو تطوير للوسيلة وليس لبلوغ الغاية المتمثلة في الإنجاز السريع للخدمات المطلوبة بحسم نتائجها وإلا ما فائدة سرعة استقبال الطلب دون حسمه أو "التوجيه" الرسمي من سمو أمير المنطقة دون آلية تحقق نتيجته في الوقت المطلوب والذي يتماهى مع حقيقة ذلك التطوير.
السؤال يدفع أيضاً إلى أن المواطن لا يبحث أين توقفت معاملته؟ ولكن لماذا لم تنجز؟! وبالتالي فالتطوير يجب أن يشمل المحاسبة في حال التقصير والتأخر.
عفواً.. "معاملتك ضاعت"!:
وبالرغم من كل الجهود التي تقوم بها الإدارات المعنية داخل إمارات المناطق إلا أن المواطن ومن يراجع فيها لن يهمه الصالات المكيفة الفاخرة أو الأجهزة التي تسجل طلباته أو سرعة تلك التي يستعلم منها عن معاملته، بقدر ما يسعى لإنجاز معاملته بطريقة لا تسمح لبعض الموظفين بركن موضوعه في الأدراج أو مساومته – من قلّة - بطريقة غير واضحة على تسريع إنجاز حق مشروع له. بل إن بعض المستفيدين وهي ليست مبالغة قد يتابع الورثة موضوعه بل إنه وببساطه قد يفاجئك الموظف في قطاع ما أحيلت له المعاملة بأنها "ضاعت"! وأن عليك البدء من الجديد.
قانون المحاسبة وأسئلة الحال:
غياب قانون المحاسبة -تنفيذاً- ومؤشرات أداء الموظف وتقييم المراجع له هو أول ما يريده المواطن من أمير المنطقة كمواجهة أولى للفساد الإداري الذي سيحجب كل حسنات التطوير للخدمات الإلكترونية. وفي حال كانت تلك الخدمات تفتقد لنظام تعقب يُعين المواطن ويحاسب الموظف المتكاسل فإن كل ما عمل لا جدوى منه.
الأسئلة كثيرة وحاضرة.. هل يمتلك أمراء المناطق آلية فعلية للتأكد من قيام موظفيه بمنح الفرص العادلة لكل المراجعين؟.. هل ألزمت الإمارة جميع الأجهزة الحكومية والخدمية بفتح الأبواب واتباع (سياسة الباب المفتوح) أمام كل مواطن كما سنّ ذلك الملك المؤسس وسار عليه أبناؤه وأحفاده؟. هل ينفذ أمراء المناطق ونوابهم الجولات السرية التي تكشف ما يُخفى خلف الجولات العلنية من فساد وتقصير!؟ هل يتم تقصي حقيقة الخدمات المقدمة في المراكز التابعة لإمارة المنطقة؟.. إلى غير ذلك الكثير.
أحلام السنين:
إن من أهم الخدمات التي يئنّ من عدم تحقيقها الكثير من المواطنين هي أمور يعيقها موظف قد يكون مدير قسم أو حتى مجرد موظف عادي وقد وصل الأمر في بعض الإمارات إلى أن الحصول على الخدمة الكهربائية أو صك شرعي للأرض قد يكون حلماً يمتد على مدى عقد من السنوات.
يقول الكاتب بصحيفة الوطن أحمد السيد عطيف "قال لي بعض العارفين، إنه من السهل عليك الحصول على حجة استحكام، إذا أغفلت كل أوراق بيعك وشرائك للأرض، وقلت للمحكمة إن الأرض دخلت عليك بالإحياء".
مضيفاً: "... من العناوين التي نقرؤها كل يوم في الصحف عنوان مثل «سمو أمير المنطقة الفلانية يوجّه مديري الأجهزة الحكومية بسرعة إنجاز معاملات المواطنين». أكاد أجزم أن هذه الأخبار تخرج من مديري أقسام في إمارات المناطق، أو من مراسلين صحفيين، وأن أمير الإمارة ليس له علم بها".
مضيفاً: "...وإيحاء آخر، هو أن استمرار الإدارات في بطء إنجاز معاملات المواطنين يدل على أن توجيهات أمير المنطقة المعنية وصلت إلى الصحف ولم تصل إليهم".
في زمن الرؤية:
وهذا يعني أن الدور المنتظر لإمارات المناطق في رؤية السعودية 2030م يجب أن يكون أشمل بكثير من مجرد تقنيات تواصل، ومواكباً لطموح المملكة الكبير من خلال هذه الرؤية.
لقد أنارت "الرؤية 2030" الأمل في سجل إنجاز حقيقي وشفاف سيطال كل من وضعه خادم الحرمين الشريفين في مكان قيادي وقلّده أمانة تقديم الخدمات للمواطن. كما أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة” سبق ورصدت عدداً من المخالفات والتجاوزات المالية في العديد من إمارات المناطق، وربما استقبلت الكثير مما لم تعلن نتائج التحقيق فيه بعد.
المسؤولية الأولى:
وتأكيداً فإن المسؤولية الأولى لإمارات المناطق تتلخص فيما عناه وأكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وسدد خطاه وأكد عليه مراراً وآخرها في العاشر من رمضان المنصرم حيث أوصى أمراء المناطق خلال استقباله لهم في قصر السلام بجدة في اجتماعهم السنوي الـ24 بتقوى الله عزَّ وجل والاهتمام بمصالح المواطنين والمقيمين ومتابعة أحوالهم وتلمس احتياجاتهم والاجتهاد في إنجازها بما يحقق التنمية الشاملة ويخدم مصلحة الوطن والمواطن.