الإرهاب الجنسي!!

الإرهاب الجنسي!!

حين ظهرت الفضائيات العربية في مطلع العشرية الأخيرة من القرن الماضي، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، هلل المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، واستبشر خيرا ظنا منه أن هذه التقنية (التكنولجيا)، وهذا الظهور البارز لها، سيعودان بالخير الكثير على كل أبناء الأمة العربية، وسيكون وسيلة تقريب بينهم، وجسرا لمد علاقات التواصل الثقافي والاجتماعي بين شتى أقطارها، فأقبل عليها إقبالا منقطع النظير، وصارت تشكل جزءا لا يتجزأ من حياته اليومية، واحتلت مكانة مرموقة في فكره، واستحوذت على لب مشاعره، حيثما كان تواجده، حيث صارت تمثل بالنسبة له نافذة يطل منها على العالم بأسره، ويسافر من خلالها إلى كل ربوعه وهو قابع في بيته، ويتعرف منها على مختلف الحضارات المنتشرة عبر المعمورة، الأمر الذي أعطى هذه الفضائيات مصداقية وقوة كبيرة عنده، فشجعها ذلك على تزايد عددها وفق متتالية هندسية ذات حد تصاعدي كبير، لكن على العكس من ذلك تدهور مضمونها إلى حد تنازلي متسارع خطير، حيث أصبحت هذه القنوات تنشر كل ما هب ودب من برامج، بما فيها الغث والسمين، الصالح والطالح، الجيد والركيك، الملائم لعاداتنا وتقاليدنا كعرب وغير الملائم دون تمييز أو تمحيص، فصارت بذلك برامجها تتقارب في المحتوى والمضمون حتى من حيث طابعها الإخباري، لدرجة جعلت المشاهد يشعر بالسآمة من تكرار نفس المادة الإعلامية في أغلبها، وهذا ما دفع بالمستثمرين في هذا المجال إلى التفكير في حل لمشكل الرتابة والتكرار القاتلين، فقاموا بتخصيص مواضيع مادتها الإعلامية، فظهرت قنوات ذات الاهتمامات المختلفة كالرياضية، الثقافية، السياسية (الإخبارية)، الفنية (الغنائية)، وغيرها من الاهتمامات الأخرى، على غرار السياسة الإعلامية التي تتبعها الدول الغربية التي تتمتع فيها وسائل الإعلام بقدر هائل من حرية الإعلام والتعبير إلى حد الخروج عن المعقول، وما تسمح به الأعراف وجل المعتقدات الدينية.

غير أننا لسنا هنا بصدد توجيه النقد للسياسة الإعلامية الغربية، لأن ما تقوم به هو من أبجديات ثقافتها حتى وإن كان خارجا عن حد الأخلاق الإنسانية، بل نحن هنا بصدد التأسف على ما يجري في قنواتنا، وبصفة خاصة تلك التي جعلت من التسوق الجنسي وسيلة جيدة، ومادة دسمة لحشد أكبر جمهور ممكن من المعجبين والمشاهدين، من أجل الربح المادي المحض في زمن الأقمار الصناعية المجانية؟!، ضاربة بذلك كل قيمنا الإسلامية، وتقاليدنا العربية عرض الحائط، غير مبالية بالعواقب الوخيمة التي قد تنجر عن ذلك وتعود على الأمة العربية بالوبال الشديد، حيث استهدفت ضرب الثقافة الإسلامية الأصيلة بتقديم ثقافة العري وتشجيعها، بإظهار مفاتن الممثلات والمغنيات وغيرهن من الراقصات وعارضات الأزياء، بغرض تحريك الغرائز في المتفرج من خلال عرض مشاهد مثيرة عبر برامج المسابقات "قص ولصق" (مستوردة من برامج عالمية شهيرة؟) ، كما تعمد مسيرو تلك القنوات تقديم هذه الثقافة (السخافة) على طبق قلة الحياء والميوعة، فسمحوا لتلك الشرائح من النساء باستعمال كل أساليب الإغراء التي لا يرضاها لا الدين ولا العقل، ولا الكرامة الإنسانية التي خلق الله عليها بني آدم مهما كانت ديانته وتوجهه الفكري، بصورة تجعل الولدان شيبا، وتظهر اللبيب أحمق في عجزه عن إيجاد وسيلة مضادة لهذا الزحف اللاأخلاقي على أبنائنا، ويجعل كل فرد منا مرتبكا، غارقا في حيرته، بعد استنفاذه لكل الحيل التي فشلت في إيجاد حل فردي لهذا الخطر المحدق بأبنائنا وبناتنا، الذي زحف بشكل مريع وامتدت شرارته إلى أن طالت أسرنا، فصار الواحد منا يخجل أن يتفرج على هذه القناة أو تلك البرامج المستوردة "ذبح حلال" مع أبنائه، بل وأحيانا حتى مع زوجته، لأن ما يعرض فيها من برامج تخدش كثيرا بالحياء الإنساني، حتى بالنسبة للإنسان مع نفسه، بحكم ثقافتنا الأسرية العريقة ذات الأصول المشكلة لجزء أساس من تماسك الأسرة، باعتبارها الخلية الأساسية واللبنة الأولى لبناء مجتمع سليم، وهذا ما جعل لها قداسة أعطتها إياها شريعتنا بتنظيمها للعلاقات الأسرية، وبنائها على أرضية صلبة من الاحترام والوقار.

وما ذلك إلا من كيد المتربصين بنا الدوائر، المستغلين مع الأسف بعض المغفلين من أبناء جلدتنا المخدرين بوهم التحضر والعولمة والانفتاح، حيث خططوا ومازالوا يخططون لهدم قيمنا، ومسخنا من ديننا وتقاليدنا، وجعلنا أذيالا لهم ببث سمومهم عبر هذه القنوات المستقرة في عقر أسرنا دون إذن مسبق منا، وكيف لنا أن نمنعها من التوغل بيننا وهي متكاثرة وزاحفة كالجراد المارد الحامل على بساط أجنحته لنفايات الفضاء الفكرية الغربية لرميها في عقول أبنائنا لنشر الرذيلة بينهم، وهدم كل مقومات الفضيلة التي بناها أجدادنا، وحافظوا عليها جيلاً بعد جيل، فرموا بأبناء بعض من شبابنا تحت أقنعة التطور والتقدم بين أنياب الضياع، وهم في سباتهم راقدون، متلذذون بحال الملهيات والمغريات التي انغمسوا فيها، لدرجة من التفاعل أثرت على شكلهم بتشبههم بالغرب في كل ناعقة، وعلى جانبهم الروحي، بانسلاخهم عن تعاليم دينهم الإسلامي، ومقوماتهم العربية الأصيلة، وكانت النتيجة أنهم أصبحوا يعيشون في غيبوبة فكرية لدرجة جعلت البعض غارقا حتى النخاع في المجون، بل ومسلوب الإرادة فكريا لحد لا يستطيع فيه النهوض، وتدارك الموقف لصد هذا التيار الجارف الذي لا يبقي ولا يذر، وعاجزا حتى عن إدراك تطلعات أمته التي هي في أمس الحاجة إليه في الوقت الراهن والمشاركة في بعث الحياة في نخوة الغيرة على الدين والعروبة في أعماقه، لإرجاع الأمور إلى نصابها، فالشباب إذا سما بعلوه جعل النجوم مواطئ الأقدام.

فتجار "الإرهاب الجنسي" معاول هدم تضرب حصن أمتنا المنيع في أساسات أعمدته المرتكزة للإيقاع به، وتنخر في جذوره كالسوس المتكالب على شجر الصفصاف الشاهق لكسر شموخه، تحت شعار الحرية المزعومة، المتجاوزة كل الحدود، والحقيقة أنها ليست بحرّية بل ضرب من أضرب جنون مرضى القلوب، لأن الحرّية الحقيقية هي تلك التي تبني ولا تهدم، تحيي ولا تميت، وتلتزم بالمسؤولية بتوجيه غاياتها صوب المصلحة العامة لما فيه نفع للإنسان وضمان لكرامته التي حثت عليها كل الأديان والتشريعات السماوية والوضعية.

وإذا كان سماسرة الجنس يظنون أنهم يحسنون صنعا، فنقول لهم بئس ما تظنون، وإن كانوا يسعون لكسر شوكة أمتنا والزج بأبنائنا في متاهات الضياع، فنرد عليهم بما جاء في كتابنا الكريم :{ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين}.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org