"التبرع بالأعضاء" في المجتمع السعودي.. إعادة الأمل في أجساد أتعبها اليأس وأوجعتها الآلام

إنقاذ حياة الإنسان الحي في الإسلام مُقَدَّمَة على حرمة الميت
"التبرع بالأعضاء" في المجتمع السعودي.. إعادة الأمل في أجساد أتعبها اليأس وأوجعتها الآلام

- فتوى هيئة كبار العلماء قبل 16 عاماً، تجيز التبرع بالأعضاء، وزراعة عضو من إنسان حي أو ميت. 

- "الشورى" يناقش تعديل نظام المرور وإضافة رغبة السائقين في التبرع بأعضائهم برخصة القيادة. 

- "التخصصي" في الرياض وجدة يُجري أكثر من ٧٠٠٠ عملية نخاع عظم وخلايا جذعية.. وزراعة قلب لأطفال أصغرهم 11 عاماً.

- د."القصبي": شَهِدنا العام الماضي أعلى معدلات زراعة في تاريخ "التخصصي" منذ 35 عاماً. 

- د. خالد النمر: التبرع بالأعضاء يقلل التكلفة العلاجية التي تصرفها الدول في علاج الحالات المزمنة. 

- د.عبدالعزيز العسكر: من المهم عدم إلزام أحد بالتبرع وترك القرار له. 

- المحامي يعقوب المطير: إضافة التبرع بالأعضاء في رخصة القيادة بعد الوفاة يعني تقنين تبرع السائقين. 

يعتزم مجلس الشورى مناقشة اقتراح تعديل على نظام المرور، يقضي بإضافة رغبة السائق بالتبرع بأعضائه في رخصة القيادة؛ مما يسهم في إعادة الأمل في حياة أجساد أتعبها اليأس وأوجعتها الآلام، وتُدرك الجهات المعنية ضرورة زيادة الوعي لدى أفراد المجتمع، وتوضيح أهميته في إنقاذ حياة الآخرين.

مشروع القرار

وكانت هيئة كبار العلماء قد أصدرت قبل 16 عاماً، فتوى تجيز التبرع بالأعضاء من الأشخاص المتوفين، وزراعة عضو أو جزء من إنسان حي أو ميت مسلم أو ذمي إلى نفسه، إذا دعت الحاجة إليه وأَمِنَ الخطر في نزعه وغلب على الظن نجاح زرعه.

خلاف طويل

ومن جانبه، بيّن الدكتور "النمر" من نافلة القول أن الموتى الذين يموتون طبيعياً لا تصلح منهم الزراعة لتلف تلك الأنسجة بسبب توقف القلب؛ وهذا الموضوع شرعي أولاً، ثم طبي ثانياً، وفيه خلاف طويل ومستمر؛ سواء بين الفقهاء المتقدمين أو المتأخرين، وكذلك بين الأطباء سواء المسلمين أو غيرهم؛ ولكلٍّ وجهة نظر واجتهاد معتبر في هذه النوازل لاعتبارات علمية كثيرة ودقيقة ليس هذا موضع سردها. وهناك شروط شرعية وطبية محددة. 

أكثر من 7000 

وأوضح المشرف العام التنفيذي للمؤسسة العامة لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الدكتور قاسم القصبي لـ"سبق": "أن العام الماضي شَهِد تصاعداً في معدلات زراعة الأعضاء؛ كاستمرار للقفزات النوعية والكمية التي يحققها المستشفى في هذا النوع من العمليات المعقدة والدقيقة خلال السنوات الماضية، وكسر بذلك الرقم المسجَّل للمستشفى في العام 2014م البالغ (1008) زراعة بزيادةٍ قدرها 15% عبر ستة برامج في "تخصصي الرياض"، وبرنامجين في "تخصصي جدة".

وقال الدكتور "القصبي": "يلحظ الفاحص لهذا الجهد الكبير الذي تبذله الطواقم المتخصصة في برامج زراعة الأعضاء، أن المعدل السنوي للزراعة قد تَضَاعَفَ -ولله الحمد- خلال العشرة أعوام الماضية بنسبة (179%) بالمقارنة بين حصيلة العام 2015م مع عام 2005م، التي بلغت حينها 415 زراعة؛ مشيراً إلى أن المجموع التراكمي لأعداد الزراعات للفترة الزمنية من 2005 إلى 2015م ، وصل إلى ٧٣٦٠ عملية زراعة عضو بنهاية العام الماضي".

وأكد أن نتائج هذه العمليات مماثلة لنتائج المراكز الطبية العالمية؛ مضيفاً أن إجراء هذا الكم الكبير من عمليات زراعة الأعضاء للمرضى السعوديين ساهَمَ في توفير مبالغ طائلة للاقتصاد الوطني في مقابل ما لو تم إجراؤها في الخارج.

ولفت د."القصبي" إلى النجاحات الكبيرة التي حققتها برامج زراعة الأعضاء في "مؤسسة التخصصي" ممثلة في المستشفى التخصصي بالرياض وفرعه بجدة خلال العام الماضي؛ حيث تَمَكّن برنامجا زراعة الكلى في المستشفى الرئيس بالرياض وفرعه بجدة، من إجراء 369 عملية زراعة كلية؛ من بينها 187 زراعة في "تخصصي جدة" الذي استطاع رفع حصيلته من الزراعات بنسبة 42% عن العام السابق؛ مسجلاً أعلى رقم في تاريخ زراعة الكلى في المملكة، يليه "تخصصي الرياض" بإجراء 182 زراعة كلية، وهو الذي نجح كذلك في إجراء 7 عمليات زراعة بنكرياس.

المعدل السنوي 

وأشار إلى إجراء "مؤسسة التخصصي" 375 زراعة نخاع عظم وخلايا جذعية للأطفال والكبار؛ من بينها 323 زراعة تم إجراؤها في "تخصصي الرياض"، و52 زراعة في "تخصصي جدة"؛ لافتاً إلى امتلاك مستشفى الملك فيصل التخصصي بنكاً متخصصاً لحفظ دم الحبل السري والخلايا الجذعية، يتجاوز مخزونه حالياً 5 آلاف وحدة. 

وأضاف الدكتور "القصبي" أن برنامج زراعة القلب بالمستشفى تَمَكّن من إجراء 30 زراعة خلال العام الماضي 2015م، بزيادة مقدارها 15% عن العام السابق؛ مؤكداً أنه برنامج زراعة القلب النشط الوحيد في المملكة حالياً. وتَمَكّن برنامج زراعة القلب في المستشفى التخصصي خلال العام الماضي من زراعة قلب لخمسة أطفال تحت سن 14 عاماً، والتي تُعرف بصعوبتها؛ مقارنة بالزراعة للبالغين، أصغرها حالة لطفل عمره 11 عاماً. 

كبد الأطفال 

كما تَمَكّن برنامج زراعة الكبد بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، من إجراء 124 عملية زراعة كبد خلال العام الماضي 2015م، بنسبة نجاح بلغت نحو 94%؛ من بينها 81 زراعة للكبار، و43 زراعة للأطفال؛ ليأتي ضمن أعلى المراكز العالمية في أعداد زراعة الكبد لدى الأطفال سنوياً.

واشتملت عمليات زراعة الكبد على 22 عملية زراعة من متبرعين متوفين دماغياً، و102 عملية زراعة من متبرعين أحياء، واستمر البرنامج في تطبيق أسلوب جراحي متطور تَبَنّاه منذ عام 2011م يتم فيه الاستفادة من كبد المتبرع المتوفى دماغياً، وفصله إلى جزئين ومن ثم زراعته لمريضين مختلفين.

ويقوم برنامج زراعة الكبد الذي أنشئ في المستشفى التخصصي عام 2001م، بإجراء الزراعة لمختلف الفئات العمرية؛ ابتداءً من الأطفال الرضع في الشهر الأول من العمر؛ حيث بلغ المجموع الكلي للعمليات 840 زراعة كبد حتى نهاية عام 2015م؛ من بينها 323 زراعة من متبرعين متوفين دماغياً، و517 من متبرعين أحياء.

وبحسب "القصبي"؛ أجرى برنامج زراعة الرئة بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض 20 عملية زراعة رئة خلال العام الماضي 2015م؛ مضاعفاً حصيلته السنوية مقارنة مع العام السابق 2014م، والبالغة 10 زراعات لمرضى تتراوح أعمارهم ما بين 13 و65 عاماً. 

وكسر برنامج زراعة نخاع العظم والخلايا الجذعية بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، حاجز الـ٥ آلاف زراعة؛ بإجرائه 5020 حالة منذ بدء المستشفى في إجراء هذا النوع من الزراعة عام 1984م. 

خطوة أولى

ويقول المحامي يعقوب المطير لـ"سبق": بالنسبة للحكم القانوني لا يوجد نظام يحكم مسألة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة في المملكة العربية السعودية؛ لكن المتداول في هذا الشأن أن الإسلام دين حياة {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً}.. وهذا بالضرورة يعني مسعى الإسلام لإنقاذ حياة الآخرين؛ فالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة لا حرج فيه؛ لأن إنقاذ حياة إنسان حي مُقَدَّمَة على حرمة الميت".

وأردف "المطير": "من غير الجائز التبرع بالعضو أثناء الحياة إذا كان في ذلك التبرع إزهاق لروح المتبرع؛ فلا يجوز مثلاً التبرع بالقلب أو الدماغ أثناء الحياة"؛ وعليه فإذا تم تعديل قانون المرور وإضافة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة؛ فهذا يعني تقنين التبرع للسائق الموافق على التبرع بالرخصة؛ أي أن التبرع انحصر على فئة السائقين ولا يتعداهم للغير. وإذا تم التعديل؛ فإن التبرع سيكتسب الشرعية النظامية؛ ويعد كخطوة أولى لتقنين التبرع بالأعضاء.

عدم الإلزام

أما أ.د.عبدالعزيز العسكر عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام؛ فيرى أن من المهم عدم إلزام أحد بذلك، وأما جوازالتبرع من عدمه فكما هو مشهور من كلام علمائنا المعاصرين؛ فالأكثرية منهم على الجواز في حالة الوفاة الدماغية؛ باعتبار أنه إنقاذ محتاج لذلك، وفرصته في الحياة مؤكدة بإذن الله؛ بعكس المتبرع المتوفى دماغياً؛ ففرصته غير مؤكدة.

وأضاف في حديثه لـ"سبق": "يرى الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- عدم جواز التبرع على اعتبار أن الإنسان لا يملك بدنه وليس له التصرف فيه إلا وفق الشرع، والذي يترجح عندي -والعلم لله- هو القول بجواز تبرع الشخص وأوليائه بالأعضاء عند تأكد الوفاة الدماغية، وهو من باب الضرورات المباحة لإنقاذ نفس معصومة محتاجة وليس من باب المُثلة بالجثة؛ لأنه يجوز للحي الموافقة على قطع عضو منه إذا خاف سريان المرض لإنقاذ باقي الجسم، والشريعة جاءت بما يحفظ الحياة الآدمية والله أعلم".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org