التربية بالتهريج والتميلح والرقص

التربية بالتهريج والتميلح والرقص

لماذا ينكسر أبناؤنا وشبابنا أمام أي توجه فكري, وينحرف كثير منهم مع كل تيار يعترض طريقهم, ويعيش غالبيتهم في عالم الانعزال والتقوقع وضعف الهمة؟.

هي مسببات كثيرة وعوامل متشعبة, أخطرها ما وجدت مثالاً عليه عندما زرت معرض الأسر المنتجة الذي نظمته "جمعية المعوقين" بالرياض.. كان التنظيم متميزاً والعروض للمنتجات محفزةً ومرتبةً, لكني وجدت أن مسرح الطفل كان تهريجاً وتحقيراً للأطفال.

أعلنوا مساء يوم الجمعة الماضية أن هناك مسابقة للأطفال يقدمها شاب من نجوم برامج الواقع أو "التميلح", صعد على المسرح وسط حضور كثيف، وكان يعتني بشماغه أكثر من كلامه، ويطلق النكات السخيفة، وبدأ بجمع 15 طفلاً فصعدَتْ معهم أخت أحد الأطفال "6 سنوات"، فصاح فيها: "هذي وش جايبها! صرفوها وأعطوها هدية". بدأ برنامجه بطلب الرقص من الأطفال: "ارقصوا.. ارقصوا... هلا.. هلا.. هلا"، ثم أوقفهم بسرعة عن الرقص إلا أن أحد الأطفال "7 سنوات" لم يتوقف، فقال له أمام جمهور يزيد على 200 شخص: "اطلع اطلع.. الله يخلف على اللي جابوك"، وأخرجه من منصة المسرح وعاد للبقية يضحك ويطلب منهم أن يرقصوا؛ ولأن القضية الرئيسة فقط الرقص والتوقف بحسب العد. تحمس أحد الأطفال "عمره حوالي 10 سنوات" في الرقص، فطرده من المسرح وخاطبه باستهزاء أمام الناس: "مكانك في مستشفى شهار". وعاد مرة أخرى ليتأكد من "تشخيصة الشماغ" التي عدلها سبعين مرة، ولم يعدل أسلوبه ولو مرة، وطلب من طفل أن ينشد حتى يعود للعبة الرقص، فتحمس الطفل وأنشد مما يحفظ فسخر منه، وتهكم عليه، وأخرجه وهو يقول له: "إذا بعدين قال لك أحد أنشد، قل ما أعرف!".

وخلال ربع ساعة قضاها فقط، تعامل مع 15 طفلاً بأسلوب الإيذاء النفسي والتهكم والتميلح أمام النساء. والغريب أنه حطم معنويات طفل أراد أن يلقي قصيدة وأخطأ في أحد أبياتها، فسحب منه الميكرفون، وقال: "خبصت الدنيا"، والجمهور يضحك منه, ولم تعترض عائلات الأطفال على تهميشه واحتقاره وإهانته لأطفالهم بأسلوب التهكم والنكتة السخيفة, بعد أن حول هؤلاء الأطفال إلى أدوات ليقوم بالتميلح أمام الجمهور, في ظل صمت من أهليهم.

15 عائلة للأطفال لم تحرك ساكناً، إلا أم أحد الأطفال المشاركين صاحت من آخر المسرح: "حرام عليك". أما البقية فلا صوت ولا أهمية للموضوع بالنسبة لهم.

إن برامج الطفل ومسرح الطفل هي التي تصنع كثيراً من ثقافته وشخصيته ومستقبله، وإذا تحولت للتهريج والاستنقاص والتحطيم والرقص فقط والتميلح من المراهقين وأهل العقول الفارغة والبرامج التجارية في ظل إهمال الأهل وعدم حفاظهم على حقوقهم؛ فإننا لن نستغرب إذا كان مستقبلهم- كما يقول هو-: "شهار"، ولن يكون غريباً أن يتقوقع شبابنا وينجرف مع كل منحرف، ويصبح فارغاً دون قيم أو أهداف.

ويجب على الجهات التربوية والثقافية والمسؤولة أن تبعد نجوم التهريج والتميلح عن مسرح الأطفال، وأن لا نصنع منهم قدوة، ولا نساهم في زيادة "التميلح والسفاهة" والاستخفاف بعقول شبابنا وصغارنا.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org