قال لـ"سبق "الدكتور زهير الحارثي عضو مجلس الشورى: إن الجولة التي يقوم بها الملك سلمان هذه الأيام في دول الخليج، ليست من باب الزيارات الدبلوماسية ذات الطابع التقليدي؛ بل لها دلالات لافتة؛ فهي عربون محبة وصداقة وتوطيد للروابط الأخوية بزيارة شقيق أكبر لأشقائه وأهله بدليل المشاعر الفياضة والحفاوة والترحيب والمحبة التي قوبل بها خادم الحرمين؛ فضلاً عن تعزيز العلاقات على كل المجالات والأصعدة؛ مؤكداً أن الوضع الإقليمي -في المقابل- يتّسم بدرجة كبيرة من السيولة السياسية، وتسارع المتغيرات؛ مما يحتم التعاطي معها ومواجهتها برؤية استراتيجية؛ لا سيما فيما يتعلق بملفيْ أمن الخليج والإرهاب والأزمتين السورية واليمنية.
ولعل هذا ما يفسر الحراك الدبلوماسي السعودي الراهن؛ فتفاعله لم يأتِ من فراغ؛ بل يسعى لملء الفراغ الذي جاء نتيجة لاختلال توزان القوى في الخليج ومواجهة المشروع الإيراني بسياسته التصعيدية.
وأضاف: "نعلم أيضاً أن المشكلات العربية مزمنة، وبمرور الوقت تزداد صعوبة وتعقيداً؛ بدليل إشكالية إدارة الأزمات والتحالفات سواء داخل المحيط العربي أو في النطاقين الإقليمي والدولي؛ ولذا فالنظام العربي يواجه تحديات تُهدد وجوده؛ مما يعني بالضرورة تفعيل مؤسساته لأنه لا أمن إقليمي ولا سيادة إلا من خلال فهم تعقيدات اللعبة السياسية الدولية، وفي هذا السياق تأتي الجولة الملكية في لحظة فارقة للدفع باتجاه الاتحاد؛ متزامنة مع القمة الخليجية القادمة في البحرين كخطوة هامة على صعيد مسيرة العمل العربي المشترك؛ فالأهمية القصوى للزيارة -كما يبدو- تهدف لإعادة ترتيب البيت الخليجي بما يدفع باتجاه مواجهة التحديات والمخاطر الذي يصب في نهاية المطاف نحو بناء تضامن عربي حقيقي.
وأكمل: "حقيقة يجب أن نعترف بأن المواقف السياسية لدول الخليج في السنوات الماضية شهدت نضجاً خليجياً وتعاطياً مختلفاً باستيعاب حساسية المرحلة وخطورتها وضرورة ترتيب الأولويات بما يحقق أمن واستقرار هذه الدول. وقد لمسنا تنسيقاً وتفاهماً لافتاً في المجالين السياسي والأمني، والمأمول أن توضع آليات مؤسسية ترسّخ هذه التفاهمات بشكل دائم فلا تبقى صريعة للمتغيرات.
ولعل مجلس التعاون الخليجي -الذي نجح خلال مرحلة التأسيس- بحاجة إلى تطوير؛ ولذلك هناك أجواء تفاؤل ببحث ملف مقترح الاتحاد. ومع هذه المؤشرات نقول: إن المجلس لا يزال فاعلاً وأنجز وفق صلاحياته إلا أن دقة المرحلة حتماً تتطلب البحث عن صيغة جديدة.. ليس مطلوباً من دول الخليج أن تتحمل أخطاء الآخرين وهي ليست معنية بمعالجة هموم الآخرين.
واستطرد: "شعوبنا التي تُفاجأ بأن النتائج دائماً أقل من المأمول، تحلم بأن تتغير الصورة في قادم الأيام. نحن لا نجلد الذات عندما نقول إننا لا نريد أن ندور في ذات الدائرة المفرغة. لا نريد أن تأخذنا اختلافات وجهات النظر إلى دائرة الإخفاقات والخلافات والتراجعات. شعوبنا ترنو إلى تفعيل مشاريع الإصلاح وليس الوقوف عند بيانات التنظير.
وامتدح الدكتور "الحارثي" الزيارةَ الحالية وقال: "الحضور الاستثنائي السعودي واللافت الذي يتمثل في جولة خادم الحرمين الشريفين لكل من الإمارات وقطر والبحرين والكويت، أخذ شكلاً جديداً في التواصل المباشر والتدخل الإيجابي في إطار تغليب مصلحة الأمة على المصالح الضيقة، وما يفعله الملك سلمان يأتي منسجماً مع منطلقات سياسة بلاده التي ترى ضرورة توحيد الصف ومعالجة الخلل وما تُمليه عليه عقيدته وضميره وانتماؤه لأمتيْه العربية والإسلامية؛ فزيارات الملك لأشقائه في دول الخليج انتهجت سياسة الحوار وتفعيل الاتصال والبحث بشفافية في أمور البيت الواحد، وقد يتمخض عنها قرارات مهمة، وقد تكون استثنائية؛ لأنه لا يمكن النظر إلى المشهد السياسي بمعزل عن التطورات الإقليمية والتفاعلات الدولية، وبالتالي هي بمثابة تأكيد لمسار وحدة المصير في ظل مشاريع إقليمية واختراقات ومحاور في المنطقة، تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار هذه الدول.
وأكمل: ثمة تفاؤل ملقى على عاتق الملك سلمان كقائد للأمة، وأنه مُهيأ للعب دور استثنائي وتاريخي للمّ الشمل الإسلامي والعربي؛ فجهوده -كما يراها المتابعون- تعكس هاجساً مسكوناً في داخله وهو تعزيز الصف؛ ولذا كانت الدبلوماسية السعودية -وما زالت- تتحرك في اللحظات الحاسمة لإنقاذ المنظومة في حيزها الخليجي أو العربي من التفكك، وذاكرة التاريخ فيها من الشواهد ما يكفي. ومن الواضح أن الملك يبلور مشروعاً عربياً؛ مستنداً على قاعدة خليجية منطلقاً من رفض الإملاءات والضغوط ويكرّس الندية واستقلالية القرار؛ مما يشكل جداراً حامياً للقضايا.