بينما نقف على أعتاب العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، نجد أنفسنا في إحدى اللحظات التاريخية النادرة التي تتبدى فيها التحولات الكبرى للقوة بشكل واضح للعيان؛ بما يضمن أن العالم -بنهاية العقد القادم- سوف يكون مختلفاً بصورة جذرية عما كان عليه؛ فثمة تحول في ميزان القوى الاقتصادية العالمية لصالح الدول الصاعدة اقتصادياً، وتحديداً قارة آسيا؛ ليصبح هذا القرن آسيوياً بامتياز؛ في ظل ما ستحققه اقتصادات دولها من معدلات نمو وطفرات تنموية عالية.
وتأتي جولة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى القارة الآسيوية والتي تسعى من خلالها حكومة خادم الحرمين الشريفين إلى تنويع موارد اقتصادها الذي يعتمد إلى حد كبير على النفط؛ لجذب استثمارات الدول الآسيوية التي تشهد نمواً اقتصادياً كبيراً؛ خصوصاً في قطاعات كالطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والترفيه.
التوجه السعودي، والذي رسم "رؤية 2030"، بدأ في دعم تلك الرؤية بالتوجه نحو الاقتصاديات الآسيوية؛ حيث تحتاج الرؤية إلى التعاون مع جميع الدول؛ وبخاصة الدول الآسيوية التي تشهد نمواً اقتصادياً كبيراً، وتمتلك مقومات وموارد مالية ضخمة.
وتمتلك القارة الآسيوية العديد من المزايا والمقومات التي تساعد على الاندماج والتكامل الاقتصادي؛ حيث تحتل الدول الآسيوية بشكل عام ودول جنوب شرق آسيا بشكل خاص، مراكز متقدمة في تحقيق معدلات نمو مرتفعة مقارنة بباقي دول العالم، وتستحوذ دول آسيا على حصة لا بأس بها من التجارة العالمية، وتمتد العلاقات الآسيوية الخليجية على مر التاريخ متأثرة بانتمائهما القاري، ومستفيدة من تقاربهما الجغرافي.
ويأتي تعظيم قدراتنا الاستثمارية كأحد أهم محاور "رؤية المملكة 2030"؛ خاصة تطوير صندوق الاستثمارات العامة ليصبح أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم، والهدف النهائي من كل هذا هو رفع إيرادات السعودية غير النفطية، والذي سيكون محركاً فاعلاً لإطلاق بعض القطاعات الاستراتيجية التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة؛ حيث حرص مجلس التنمية والاقتصاد على الدخول في شراكات طويلة الأمد مع الدول الشقيقة والصديقة؛ من أجل التبادل التجاري ونقل المعرفة.
ووفرت استراتيجية التحول الاقتصادي، الذي تَبَنّته السعودية، "رؤية المملكة 2030 الاقتصادية" أرضاً خصبة للشركات السعودية الكبرى في قطاع التكرير والبتروكيماويات، وكذلك الشركات الخليجية؛ للمضيّ قُدُماً نحو تحالفات خارجية جديدة؛ لتعزيز المنافسة والهيمنة خارج الأراضي الوطنية؛ بحثاً عن فرص جديدة للنمو والانتشار والاستحواذ على أكبر الحصص المؤثرة في ملكية الشركات العالمية الرائدة.
وتدرك قيادة المملكة أن الزيارات الخارجية للمملكة وقياداتها؛ يجب أن تخدم التوجهات الاقتصادية؛ فنجد أن زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الصين قد مهّدت بشكل أو آخر لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، لعدد من القوى الآسيوية الكبرى على رأسها الصين، ويأتي ذلك إيماناً من قيادتنا الحكيمة بالدور الذي تقوم به القوى الاقتصادية الكبرى في الاقتصاد العالمي، وتعظيم الاستفادة من الشراكات الثنائية والجماعية؛ من خلال مشاريع في المملكة مع هذه الكيانات الاقتصادية الآسيوية الكبرى.
كما أن المساعي الصينية الجادة لإحياء طريق الحرير، وبالتركيز في منطقة الشرق الأوسط لربط شرق الكرة الأرضية بغربها؛ تنسجم مع "رؤية المملكة 2030"؛ حيث إن الرؤية ترتكز على تحويل الموقع الاستراتيجي الفريد للمملكة بين الممرات المائية العالمية الرئيسية إلى مركز لوجستي عالمي، والاستفادة من ذلك لجعل المملكة نقطة اتصال بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، ومركزاً للتجارة، وبوابة للأسواق العالمية؛ ولذا فإن المملكة تستطيع أن تلعب دوراً حيوياً ومحورياً في تنفيذ استراتيجية طريق الحرير.
ولا تزال المملكة أكبر مزوّد للنفط الخام إلى الدول الآسيوية؛ حيث يُعَد النفط والغاز الطبيعي من أهم ركائز العلاقات الاقتصادية بين دول آسيا والسعودية، وتخطط أرامكو لبناء مصفاة جديدة في الهند، إضافة لدراستها إقامة مصانع في إندونيسيا والصين وفيتنام وماليزيا، وتدرس عروضاً لشراء حصص في مشروعات لتكرير النفط والبتروكيماويات في الهند في وقت تستورد الهند (ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم) نحو 80% من احتياجاتها من الخام ومعظمه من دول الشرق الأوسط.