الصُّورَةُ النمطية وأدْعِياءُ الثَّقَافَةِ

الصُّورَةُ النمطية وأدْعِياءُ الثَّقَافَةِ

الصورة صورتان: صورة شكلية، وصورة ذهنية. ولكلتا الصورتين مفهومها وأطرها الخاصة بها. وتختلف نظرة الناس وتعاملهم مع الصورتين، كلٌّ وفق مفهومه، وقدراته التصورية للأشياء؛ فبعضهم لا يرى من الأشياء إلا صورتها الظاهرة الخارجية لعدم قدرته على سبر أغوارها، والغوص في أعماقها، ومعرفة كنهها، أو لعدم قدرته على الخيال الذي قد يُتمُّ له ما نقص من هذه الصورة أو تلك.. فيبني كل أحكامه على ما رأته عينه متخذاً من الشكل مقومات رؤيته وعناصر أحكامه..!!

أما البعض الآخر - وهم الذين وهبهم الله سبحانه وتعالى قدرة عقلية - فيستطيعون الذهاب لما هو أبعد من الشكل الخارجي للأشياء؛ فيغوصون في أعماقها، ويسبرون أغوارها، ويمحصونها، ويحللونها؛ لتظهر لهم صورتها الكاملة بشكلها الخارجي وكنهها الداخلي.. فيبنون أحكامهم على هذا الأساس.

هذا الحديث يجرنا للخوض في صورة المثقف عند العرب؛ لأنها تباينت، وتشعّبت، وكثرت، حتى أن البعض التبس عليه الأمر؛ فلم يعد يدرك حقيقته، ولم يعد يعرف مَنْ هو المثقف؟!!

فصورة المثقف عند العرب منذ قرون عدة تغيّرت كثيراً، وتحولت، وتبدلت، واختلفت، وتشعبت إلى مشارب كثيرة. وهذا التشعب والاختلاف يعود إلى عوامل عدة، منها: البلد، الظروف، العقليات، الدين والثقافة...

ولكل عامل من هذه العوامل تأثيره الخاص في تشكيل الصورة للمثقف العربي؛ فكلٌ يرى هذه الصورة من وجهة نظره، ويرسمها بحسب تصوره.

ولكن هناك صورة نمطية، سادت ردحاً من الزمن عند أغلب البلدان العربية، منذ بداية ظهور الصحافة عند العرب بعد دخول المطبعة لمصر زمن "محمد علي باشا" حتى عهد قريب..

هذه الصورة شكلية أكثر منها فكرية؛ فأصبح الناس يرون المثقف أصلع،أو يرتدي"قبعة"، يرتدي نظارة طبية، يتأبط جريدة، يعض على "قليونة" بأسنانه.. بهذه الصورة أنت مثقف وإلا فلا!!

أما في الآونة الأخيرة فإن الصورة الذهنية للمثقف أصبحت فكرية أكثرمنها شكلية؛ فتشكلت هذه الصورة الذهنية للمثقف، ولكن -للأسف الشديد- بصورة خاطئة.. فأصبح البعض يرون أن الثقافة تعني الخروج على الثوابت، والتمرد على القيم، ومخالفة الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ فأصبحوا يعدون من خرج على الدين مثقفاً، ومن تمرد على القيم ونسفها في كتاباته أو آرائه مثقفاً، ومن خالف الفطرة مثقفاً..!!

انقلبت الموازين، وانحرف الفكر، وهدمت القيم.. فمن أراد أن يصبح المثقف الأبرز والكاتب الأفضل بمقاييس هؤلاء فما عليه إلا أن يطعن بدينه، أو يشكك فيه، أو يتمرد على القيم، أو ينحل أخلاقياً، أو يدعوإلى انحلال المرأة وتمردها.. فيوجِّه قلمه للنَّيل من الدِّين، أو الدعوة للانفلات والتمرد على القيم والأخلاق، أو تبني قضية "مظلومية"المرأة، وأن الدين قيدها، والعادات كبلتها؛ فيجب مساواتها بالرجل، وأن لا يؤمن بقوامة الرجال على النساء، أو تمجيد الغرب في انحلالهم وفسقهم وفجورهم، وأنهم الأنموذج الذي يجب أن يحتذى..!! فهو في نظرهم وحيد عصره..!!!

وهذا - ورب الكعبة - قمة التخلف والانحطاط، ولكن البعض قد ركب هذه الموجة لهوسه بجنون الشهرة وبريقها ولمعانها متناسياً أن الدنيا دار عبور، وأن الآخرة هي دار القرار.. نسأل الله العفو والعافية.

وقفة تأمل..

يتساءل البعض: لماذا يُحتفَى بمن يخرج على الفطرة، ويسيء لدينه، أو يتمرد على قيمه، أو يدعو للانحلال والفجور..؟!!

ونقول لهم: هذا هو المثقف الذي يريدون..!!!!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org